الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنهم أبو عبد الله أحمد بن عطاء الروذباري ، ابن أخت الشيخ أبي علي الروذباري ، شيخ الشام في وقته ، مات بصور سنة تسع وستين وثلاثمائة.  

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت علي بن سعيد المصيصي يقول: سمعت أحمد بن عطاء الروذباري: يقول كنت راكبا جملا فغاصت رجلا الجمل في الرمل فقلت: جل الله، فقال الجمل: جل الله، وكأن أبو عبد الله الروذباري إذا دعا أصحابه معه إلى دعوة في دور السوقة ، ومن ليس من أهل التصوف لا يخبر الفقراء بذلك، وكان يطمعهم شيئا، فإذا فرغوا أخبرهم ومضى بهم، فكانوا قد أكلوا في الوقت فلا يمكنهم أن يمدوا أيديهم إلى طعام الدعوة إلا بالتعزز، وإنما كان يفعل ذلك لئلا تسوء ظنون الناس بهذه الطائفة، فيأثموا بسببهم، وقيل: كان أبو عبد الله الروذباري يمشي على أثر الفقراء يوما، وكذا كانت عادته أن يمشي على أثرهم ، وكانوا يمضون إلى دعوة، فقال إنسان بقال: هؤلاء المستحلون ، وبسط لسانه فيهم، وقال في أثناء كلامه: إن واحدا منهم قد استقرض مني مائة درهم ولم يردها، ولست أدري أين أطلبه، فلما دخلوا دار الدعوة قال أبو عبد الله الروذباري لصاحب الدار، وكان من محبي هذه الطائفة: ائتني بمائة درهم إن أردت سكون قلبي، [ ص: 148 ] فأتاه بها في الوقت فقال لبعض أصحابه: احمل هذه المائة إلى البقال الفلاني وقل له: هذه المائة التي استقرضها منك بعض أصحابنا، وقد وقع له في التأخير بها عذر، وقد بعثها الآن فاقبل عذره، فمضى الرجل وفعل، فلما رجعوا من الدعوة اجتازوا بحانوت البقال فأخذ البقال في مدحهم يقول: هؤلاء هم الثقاة الأمناء الصلحاء وما أشبه ذلك، وقال أبو عبد الله الروذباري: أقبح من كل قبيح صوفي شحيح.

قال أبو القاسم الأستاذ الإمام جمال الإسلام رضي الله عنه.

هذا هو ذكر جماعة من شيوخ هذه الطائفة كان الغرض من ذكرهم في هذا الموضوع التنبيه على أنهم مجمعون على تعظيم الشريعة ، متصفون بسلوك طرق الرياضة ، مقيمون على متابعة السنة ، غير مخلين بشيء من آداب الديانة، متفقون على أن من خلا من المعاملات والمجاهدات ، ولم يبن أمره على أساس الورع والتقوى كان مفتريا على الله سبحانه وتعالى فيما يدعيه، مفتونا هلك في نفسه، وأهلك من اغتر به ممن ركن إلى أباطيله.

ولو تقصينا وتتبعنا ما ورد عنهم من ألفاظهم وحكاياتهم ووصف سيرهم مما يدل على أحوالهم لطال به الكتاب، وحصل منه الملال، وفي هذا القدر الذي لوحنا به في تحصيل المقصود غنية، وبالله التوفيق.

فأما المشايخ الذين أدركناهم وعاصرناهم ، وإن لم يتفق لنا لقياهم مثل الأستاذ الشهيد لسان وقته وأوحد عصره: أبي علي الحسن بن علي الدقاق، والشيخ نسيج وحده في وقته: أبي عبد الرحمن السلمي، وأبي الحسن علي بن جهضم مجاور الحرم، والشيخ أبي العباس القصار بطبرستان، وأحمد الأسود بالدينور، وأبي القاسم الصيرفي بنيسابور، وأبي سهل الخشاب الكبير بها، ومنصور بن خلف المغربي، وأبي سعيد الماليني، [ ص: 149 ] وأبي طاهر الخوزندي قدس الله أرواحهم وغيرهم، فلو اشتغلنا بذكرهم وتفصيل أحوالهم لخرجنا عن المقصود في الإيجاز، وغير ملتبس من أحوالهم حسن سيرهم في معاملاتهم.

وسنورد من حكاياتهم طرفا في مواضع من هذه الرسالة إن شاء الله تعالى. [ ص: 150 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية