ومن ذلك:
لفظ الجمع والتفرقة يجري في كلامهم كثيرا وكان الأستاذ الجمع والفرق أبو علي الدقاق يقول: الفرق ما نسب إليك والجمع ما سلب عنك.
ومعناه أن ما يكون كسبا للعبد من إقامة العبودية وما يليق بأحوال البشرية فهو فرق، وما يكون من قبل الحق من إبداء معان وإسداء لطف وإحسان فهو جمع هذا أدنى أحوالهم في الجمع والفرق، لأنه من شهود الأفعال فمن أشهده الحق سبحانه أفعاله من طاعاته ومخالفته فهو عبد بوصف التفرقة، ومن أشهده الحق سبحانه ما يوليه: من أفعال نفسه سبحانه فهو عبد بشاهد الجمع.
فإثبات الخلق من باب التفرقة وإثبات الحق من نعت الجمع.
ولا بد للعبد من الجمع والفرق، فإن من لا تفرقة له لا عبودية له، ومن لا جمع له لا معرفة له، فقوله: إياك نعبد إشارة إلى الفرق وقوله وإياك نستعين إشارة إلى الجمع، وإذا خاطب العبد الحق سبحانه بلسان نجواه إما سائلا أو داعيا أو مثنيا أو شاكرا أو متنصلا أو مبتهلا قام في محل التفرقة، وإذا أصغى بسره إلى ما يناجيه به مولاه واستمع قلبه ما يخاطبه به فيما ناداه أو ناجاه أو عرفه أو لوح لقلبه وأراده فهو يشاهد الجمع. [ ص: 167 ]
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله يقول: أنشد قوال بين يدي الأستاذ أبي سهل الصعلوكي رحمه الله تعالى:
جعلت تنزهي نظري إليك.
وكان رحمه الله حاضرا فقال الأستاذ أبو القاسم النصراباذي أبو سهل: جعلت بنصب التاء، وقال بل جعلت بضم التاء فقال الأستاذ النصراباذي: أبو سهل: أليس عين الجمع أتم: فسكت النصراباذي.
وسمعت الشيخ أبا عبد الرحمن أيضا يحكي هذه الحكاية على هذا الوجه ومعنى هذا أن من قال: جعلت بضم التاء يكون إخبارا عن حال نفسه فكأن العبد يقول هذا وإذا قال: جعلت بالفتح فكأنه يتبرأ من أن يكون ذلك بتكلمه بل يخاطب مولاه فيقول: أنت الذي خصصتني بهذا لا أنا بتكلفي، فالأول على خطر الدعوى والثاني بوصف التبري من الحول والإقرار بالفضل والطول والفرق بين من يقول بجهدي أعبدك وبين من يقول بفضلك ولطفك أشهدك.
[ ص: 168 ]