فصل
، فالسمع نوعان : مطلق ومقيد ، فالمطلق ما كان بغير واسطة كما سمع وكلام الرب تعالى ، بل كلام كل متكلم ، تدرك حروفه وكلماته بالسمع تارة وبالبصر تارة موسى بن عمران كلام الرب تعالى من غير واسطة ، بل كلمه تكليما منه إليه ، وكما يسمع جبرائيل وغيره من الملائكة كلامه وتكليمه سبحانه ، وأما المقيد فالسمع بواسطة المبلغ ، كسماع الصحابة وسماعنا لكلام الله حقيقة بواسطة المبلغ عنه كما يسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وكلام غيره كمالك والشافعي وسيبويه والخليل بواسطة المبلغ ، فقوله تعالى : فأجره حتى يسمع كلام الله من النوع الثاني ، وكذلك قوله : وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول وقوله في الحديث " كأن الناس لم يسمعوا القرآن إذا سمعوه يوم القيامة من الرحمن " من النوع الأول ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان " .
وأما النظر فعلى نوعين أيضا ، فإن المكتوب قد يكتبه غير من يتكلم به فيكون الناظر إليه ناظرا إلى الحروف والملمات بواسطة ذلك الكاتب ، وقد يكون المتكلم نفسه كتب كلامه ، في نظر الناظر إلى حروفه وكلماته التي كتبها بيده ، كما سمع منه كلماته التي تكلم بها ، وهذا كما كتب لموسى التوراة بيده بغير واسطة كما في الحديث الصحيح في قصة احتجاج آدم موسى ، وفي حديث الشفاعة وغير ذلك فجمع لموسى بين الأمرين : أسمعه كلامه بغير واسطة وأراه إياه بكتابته .