السابع : أن يقال : ; لأن العقل قد صدق الشرع ، ومن ضرورة تصديقه له قبول خبره ، والشرع لم يصدق العقل في كل ما أخبر به ، ولا العلم بصدق الشرع موقوف على كل ما يخبر به العقل ، ومعلوم أن هذا المسلك إذا سلك أصح من مسلكهم ، كما قال بعض أهل الإيمان : يكفيك من العقل أن يعرفك صدق الرسول ومعاني كلامه ثم يخلي بينك وبينه ، وقال آخر : العقل سلطان ولى الرسول ثم عزل نفسه ; ولأن العقل دل على أن الرسول يجب تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر ; ولأن العقل يدل على صدق الرسول دلالة عامة مطلقة ، ولا يدل على [ ص: 113 ] صدق قضايا نفسه دلالة عامة ; ولأن العقل يغلط كما يغلط الحس ، وأكثر من غلطه بكثير ، فإذا كان حكم الحس من أقوى الأحكام ويعرض فيه من الغلط ما يعرض ، فما الظن بالعقل . لو قد عارض العقل للشرع لوجب تقديم الشرع
الثامن : أن الدليل الدال على صحة الشيء أو ثبوته أو عدالته أو قبول قوله لا يجب أن يكون أصلا له ، بحيث إذا قدم قول المشهود له والمدلول عليه على قوله يلزم إبطاله ، وهذا لا يقوله من يدري ما يقول ، غايته أن العلم بالدليل أصل العلم بالمدلول ، فإذا حصل العلم بالمدلول لم يلزم من ذلك تقديم الدليل عليه في كل شيء ، فإذا شهد الناس لرجل بأنه خبير بالطب أو التقويم أو القيافة دونهم ، ثم نازع الشهود المشهود له في ذلك وجب تقديم قول المشهود له ، فلو قالوا : نحن شهدنا لك وزكيناك وبشهادتنا ثبتت أهليتك ، فتقديم قولك علينا والرجوع إليك دوننا يقدح في أصل الذي ثبت به قولك ، قال لهم : أنتم شهدتم بما علمتم أني أهل لذلك دونكم ، وأن قولي فيه مقبول دونكم ، فلو قدمت أقوالكم على قولي فيما اختلفنا فيه لكان ذلك قدحا في شهادتكم وعلمكم بأني أعلم منكم .