[ ص: 466 ] فصل وهذا قد تواترت به الأحاديث والآثار ودل عليه القرآن صريحا في قوله : ( النزول إلى الأرض يوم القيامة هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك ) وقال حدثنا عبد الله بن المبارك حيوة بن شريح حدثني الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان المدني أن عقبة بن مسلم حدثه عن شفي بن ماتع الأصبحي قال : قدمت المدينة فدخلت المسجد فإذا الناس قد اجتمعوا على فلما تفرقوا دنوت فقلت : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أبي هريرة . . . " وذكر الحديث بطوله وأصله في صحيح إذا كان يوم القيامة نزل الله إلى العباد ليقضى بينهم وكل أمة جاثية ، فأول من يدعى رجل جمع القرآنمسلم ، وفي صحيح من حديث البخاري ، وفيها " أنس بن مالك " وقد تقدم ذكر نزوله إلى الجنة يوم المزيد : ونزوله إلى الأرض قبل يوم القيامة حين يخلو أهلها ، ونزوله يوم ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى عرفة إلى سماء الدنيا .
وقال حدثنا سعيد بن منصور عن إبراهيم بن ميسرة عن ابن أبي سويد رحمه الله قال : زعمت المرأة الصالحة عمر بن عبد العزيز امرأة خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون " وقال الإمام خرج وهو محتضن أحد ابني بنته وهو يقول : " والله إنكم لتجبنون وتجهلون وتبخلون وإنكم لمن رياحين الله وإن آخر وطأة وطئها رب العالمين بوج أحمد : حدثنا سفيان عن عن عمرو بن دينار عمرو بن أوس [ ص: 467 ] قال إن آخر وطأة الله لبوج ، قال سفيان وكان سعد بن جبير يقول : قال : تسألوني وفيكم أبو هريرة عمرو بن أوس .
وفي الباب عن الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير ويعلى بن مرة .
فهذه عشرة أنواع من النزول والمجيء والإتيان ونظائرها ، تضمنها كلام أعلم الخلق بالله وأقدرهم على اللفظ المطابق لما قصده من وصف الرب تعالى وأنصحهم للأمة والمجاز وإن أمكن في فرد من أفراد هذه الأنواع أو أكثر فإنه من المحال عادة أن يطرد في جميعها اطرادا واحدا ، بحيث يكون الجميع من أوله إلى آخره مجازا .
وقال ، وقد صح عند جميع أهل الديانة والسنة إلى زماننا أن جميع الآثار والأخبار الصادقة عن رسول الله نص في الصفات يجب على المسلم الإيمان بها ، وأن السؤال عن معانيها بدعة ، والجواب كفر وذندقة ، مثل قوله : ( أبو العباس بن شريح الرحمن على العرش استوى ) ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) ونظائرها مما نطق به القرآن ، كالفوقية والنفس واليدين ، والسمع والبصر ، وصعود الكلام الطيب إليه ، والضحك والتعجب ، والنزول كل ليلة إلى سماء الدنيا .
إلى أن قال : واعتقادنا في الآي المتشابهة في القرآن نقلها ولا نردها ، ولا نتأولها بتأويل المخالفين ، ولا نحملها على تشبيه المشبهين ، ولا نترحم عن صفاته بلغة غير العربية ونسلم الخبر لظاهر تنزيلها .
قال إمام عصره في كتاب التبيين في معالم الدين : القول فيما أدرك علمه من الصفات خبرا ، وذلك مثل إخباره سبحانه أنه سميع بصير ، وأن له يدين ، وأن له وجها ، وأن له قدما ، وأنه يضحك ، وأنه يهبط إلى سماء الدنيا ، وذكر أولها . محمد بن جرير
وقال : قلت إسحاق بن منصور لأحمد بن حنبل وإسحاق : . . . الحديث ، أليس يقول لهذا الحديث ، قال ينزل ربنا كل ليلة أحمد وإسحاق : صحيح ، وزاد إسحاق : لا يدعه إلا مبتدع ، وقال الخلال : أخبرني أحمد بن الحسين بن حسان قال : قيل لأبي عبد الله : إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة ؟ قال : نعم ، قيل له في شعبان كما جاء في الأثر ؟ قال : نعم .
وقال حنبل : قيل لأبي عبد الله : ينزل الله إلى سماء الدنيا ؟ قال : نعم ، قلت : نزوله بعلمه أم بماذا ؟ فقال اسكت عن هذا ، وغضب غضبا شديدا .
[ ص: 468 ] وقال مالك : ولهذا أمض الحديث كما ورد بلا كيف ولا تحديد إلا بما جاءت به الآثار ، وبما جاء به الكتاب ، قال الله تعالى : ( فلا تضربوا لله الأمثال ) ينزل كيف شاء بقدرته وعلمه وعظمته ، أحاط بكل شيء .
وقال بشر بن السري : ينزل ربنا إلى السماء الدنيا يتحول من مكان إلى مكان ؟ فسكت لحماد بن زيد حماد ثم قال : هو مكانه يقرب من خلقه كيف شاء ، وقال أجمع العلماء من الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل يعني تفسير القرآن قالوا في تأويل قوله تعالى : ( أبو عمر بن عبد البر ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ) هو على عرشه وعلمه بكل مكان ، وما خالفهم في ذلك من يحتج بقوله .
وقال : في القرآن والسنة والإيمان بها ، وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، لأنهم لا يكيفون شيئا من ذلك . أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها
وقال : سمعت أبو عبد الله الحاكم يقول : سمعت أبا زكريا العنبري يقول ، سمعت إبراهيم بن أبي طالب يقول : حضرت مجلس الأمير أحمد بن سعيد الرابطي ذات يوم وحضر عبد الله بن طاهر فسئل عن حديث النزول أصحيح هو ؟ قال نعم ، فقال له بعض قواد الأمير إسحاق يعني ابن راهويه عبد الله ، يا أبا يعقوب أتزعم أن الله ينزل كل ليلة ؟ قال نعم ، قال كيف ينزل ؟ قال له إسحاق : أثبته فوق حتى أصف لك النزول ، فقال له الرجل : أثبته فوق ؟ فقال له إسحاق : قال الله جل شأنه ( وجاء ربك والملك صفا ) فقال الأمير : يا عبد الله بن طاهر أبا يعقوب هذا يوم القيامة ، قال إسحاق أعز الله الأمير ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم ؟ .
وقال في كتاب خلق أفعال العباد : قال البخاري : إذا قال لك الجهمي : أنا أكفر برب يزول عن مكانه ، فقل أنت : أؤمن برب يفعل ما يشاء ؟ وقد ذكر الفضيل بن عياض الأثرم هذه الحكاية أطول من هذا .
وقال الخلال : أخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم قال : سألت أبا عبد الله [ ص: 469 ] عن الأحاديث التي تروى " أن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا وأن الله يرى " وما أشبه ذلك ، فقال وأن الله يضع قدمه أبو عبد الله : نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ، ولا نرد منها شيئا ، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق إذا كانت بأسانيد صحاح ولا نرد على الله قوله ، ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ، ليس كمثله شيء ، وهذا الكلام وكلام من مشكاة واحدة . الشافعي