ذكر أبي يزيد الخارجي بإفريقية خروج
في هذه السنة اشتدت شوكة أبي يزيد بإفريقية ، وكثر أتباعه وهزم الجيوش ، وكان ابتداء أمره أنه من زناتة ، واسم والده كيداد من مدينة توزر من قسطيلية ، وكان يختلف إلى بلاد السودان لتجارة ، فولد له بها أبو يزيد من جارية هوارية ، فأتى بها إلى توزر ، فنشأ بها ، وتعلم القرآن ، وخالط جماعة من النكارية ، فمالت نفسه إلى مذهبهم ، ثم سافر إلى تاهرت فأقام بها يعلم الصبيان إلى أن خرج أبو عبد الله الشيعي إلى سجلماسة في طلب المهدي ، فانتقل إلى تقيوس ، واشترى ضيعة وأقام يعلم فيها .
وكان مذهبه تكفير أهل الملة ، واستباحة الأموال والدماء والخروج على السلطان ، فابتدأ يحتسب على الناس في أفعالهم ومذاهبهم ، فصار له جماعة يعظمونه ، وذلك أيام المهدي سنة ست عشرة وثلاثمائة ، ولم يزل على ذلك إلى أن اشتدت شوكته ، وكثر أتباعه في أيام القائم ( ولد المهدي ، فصار يغير ويحرق ويفسد ، وزحف إلى بلاد القائم ) وحاصر باغاية ، وهزم الجيوش الكثيرة عليها ، ثم حاصر قسطيلية سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ، وفتح تبسة ومجانة وهدم سورها ، وأمن أهلها ، ودخل مرمجنة ، فلقيه رجل من أهلها ، وأهدى له حمارا أشهب مليح الصورة ، فركبه أبو يزيد من ذلك اليوم .
وكان قصيرا أعرج يلبس جبة صوف قصيرة ، قبيح الصورة .
ثم إنه هزم كتامة ، وأنفذ طائفة من عسكره إلى سبيبة ، ففتحها وصلب عاملها ، وسار إلى الأربس ، ففتحها وأحرقها ونهبها ، وجاء الناس إلى الجامع ، فقتلهم فيه ، فلما اتصل ذلك بأهل المهدية استعظموه ، وقالوا للقائم : الأربس باب إفريقية ، ولما أخذت ، زالت دولة بني الأغلب ، فقال : لا بد أن يبلغ أبو يزيد المصلى ، وهو أقصى غايته .
[ ص: 137 ] ثم إن القائم أخرج الجيوش لضبط البلاد ، فأخرج جيشا إلى رقادة ، وجيشا إلى القيروان ، وجمع العساكر ، فخاف أبو يزيد ، وعول على أخذ بلاد إفريقية وإخرابها وقتل أهلها ، وسير القائم الجيش الذي اجتمع له مع فتاه ميسور ، وسير بعضه مع فتاه بشرى إلى باجة ، فلما بلغ أبا يزيد خبر بشرى ، ترك أثقاله ( وسار جريدة إليه ، فالتقوا ) بباجة ، فانهزم عسكر أبي يزيد ، وبقي في نحو أربعمائة مقاتل ، فقال لهم : ميلوا بنا نخالفهم إلى خيامهم ، ففعلوا ذلك ، فانهزم بشرى إلى تونس ، وقتل من عسكره كثير من وجوه كتامة وغيرهم ، ودخل أبو يزيد باجة فأحرقها ونهبها ، وقتلوا الأطفال ، وأخذوا النساء ، وكتب إلى القبائل يدعوهم إلى نفسه فأتوه ، وعمل الأخبية والبنود وآلات الحرب .
ولما وصل بشرى إلى تونس ، جمع الناس وأعطاهم الأموال ، فاجتمع إليه خلق كثير ، فجهزهم وسيرهم إلى أبي يزيد ، وسير إليهم أبو يزيد جيشا ، فالتقوا واقتتلوا ، فانهزم أصحاب أبي يزيد ، ورجع أصحاب بشرى إلى تونس غانمين ، ووقعت فتنة في تونس ، ونهب أهلها دار عاملها ، فهرب ، وكاتبوا أبا يزيد ، فأعطاهم الأمان ، وولى عليهم رجلا منهم يقال له رحمون ، وانتقل إلى فحص أبي صالح ، وخافه الناس ، فانتقلوا إلى القيروان ، وأتاه كثير منهم خوفا ورعبا .
وأمر القائم بشرى أن يتجسس أخبار أبي يزيد ، ( فمضى نحوه ، وبلغ الخبر إلى أبي يزيد ) ، فسير إليهم طائفة من عسكره ، وأمر مقدمه أن يقتل ، ويمثل وينهب ، ليرعب قلوب الناس ، ففعل ذلك ، والتقى هو وبشرى ، واقتتلوا وانهزم عسكر أبي يزيد ، وقتل منهم أربعة آلاف ، وأسر خمسمائة ، فسيرهم بشرى إلى المهدية في السلاسل ، فقتلهم العامة .