ذكر أبي يزيد على القيروان ورقادة استيلاء
لما انهزم أصحاب أبي يزيد ، غاظه ذلك ، وجمع الجموع ، ورحل وسار إلى قتال الكتاميين ، فوصل إلى الجزيرة ، وتلاقت الطلائع ، وجرى بينهما قتال ، فانهزمت طلائع الكتاميين ، وتبعهم البربر إلى رقادة ، ونزل أبو يزيد بالغرب من القيروان في مائة ألف مقاتل ، ونزل من الغد شرقي رقادة ، وعاملها خليل لا يلتفت إلى أبي يزيد ، ولا يبالي به ، والناس يأتونه ويخبرونه بقربهم ، فأمر أن لا يخرج أحد لقتال ، وكان ينتظر وصول ميسور في الجيش الذي معه .
[ ص: 138 ] فلما علم أبو يزيد ذلك ، زحف إلى البلد بعض عسكره ، فأنشبوا القتال ، فجرى بينهم قتال ( عظيم ) قتل فيه من أهل القيروان خلق كثير ، فانهزموا وخليل لم يخرج معهم ، فصاح به الناس ، فخرج متكارها من باب تونس ، وأقبل أبو يزيد ، فانهزم خليل بغير قتال ، ودخل القيروان ونزل بداره وأغلق بابها ينتظر وصول ميسور ، وفعل كذلك أصحابه ، ودخل البربر المدينة فقتلوا وأفسدوا ، وقاتل بعض الناس في أطراف البلد .
وبعث أبو يزيد رجلا من أصحابه اسمه أيوب الزويلي إلى القيروان بعسكر ، فدخلها أواخر صفر ، فنهب البلد وقتل ، وعمل أعمالا عظيمة ، وحصر خليلا في داره ، فنزل هو ومن معه بالأمان ، فحمل خليل إلى أبي يزيد فقتله ، وخرج شيوخ أهل القيروان إلى أبي يزيد وهو برقادة ، فسلموا عليه وطلبوا الأمان ، فماطلهم ، وأصحابه يقتلون وينهبون ، فعاودوا الشكوى ، وقالوا : خربت المدينة ، فقال : وما يكون ؟ خربت مكة ، والبيت المقدس ! ثم أمر بالأمان ، وبقي طائفة من البربر ينهبون ، فأتاهم الخبر بوصول ميسور في عساكر عظيمة ، فخرج عند ذلك البربر من المدينة خوفا منه .
وقارب ميسور مدينة القيروان ، واتصل الخبر بالقائم أن بني كملان قد كاتب بعضهم أبا يزيد على أن يمكنوه من ميسور ، فكتب إلى ميسور يعرفه ويحذره ، ويأمره بطردهم ، فرجعوا إلى أبي يزيد ، وقالوا له : إن عجلت ظفرت به ، فسار من يومه ، فالتقوا ، واشتد القتال بينهم ، وانهزمت ميسرة أبي يزيد ، فلما رأى أبو يزيد ذلك ، حمل على ميسور ، فانهزم أصحاب ميسور ، فعطف ميسور فرسه ، فكبا به ، فسقط عنه ، وقاتل أصحابه عليه ليمنعوه ، فقصده بنو كملان الذين طردهم ، فاشتد القتال حينئذ ، فقتل ميسور ، وحمل رأسه إلى أبي يزيد ، وانهزم عامة عسكره ، وسير الكتب إلى عامة البلاد يخبر بهذا الظفر ، وطيف برأس ميسور بالقيروان .
واتصل خبر الهزيمة بالقائم ، فخاف هو ومن معه بالمهدية ، وانتقل أهلها من أرباضها إلى البلد ، فاجتمعوا واحتموا بسوره ، فمنعهم القائم ، ووعدهم الظفر ، فعادوا إلى زويلة ، واستعدوا للحصار ، وأقام أبو يزيد شهرين وثمانية أيام في خيم ميسور ، وهو يبعث السرايا إلى كل ناحية ، فيغنمون ويعودون ، وأرسل سرية إلى سوسة ففتحوها بالسيف ، وقتلوا الرجال ، وسبوا النساء ، وأحرقوها ، وشقوا فروج النساء ، وبقروا البطون ، حتى لم يبق في إفريقية موضع معمور [ ص: 139 ] ولا سقف مرفوع ، ومضى جميع من بقي إلى القيروان حفاة عراة ، ومن تخلص من السبي ، مات جوعا وعطشا .
وفي آخر ربيع الآخر من سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة أمر القائم بحفر الخنادق حول أرباض المهدية ، وكتب إلى زيري بن مناد سيد صنهاجة ، وإلى سادات كتامة والقبائل يحثهم على الاجتماع بالمهدية وقتال النكار ، فتأهبوا للمسير إلى القائم .