ذكر ابتداء دولة آل  سبكتكين    
في هذه السنة ملك  سبكتكين  مدينة غزنة  وأعمالها ، وكان ابتداء أمره أنه كان من غلمان  أبي إسحاق بن البتكين  ، صاحب جيش غزنة  للسامانية  ، وكان مقدما عنده ، وعليه مدار أمره ، وقدم إلى بخارى  ، أيام الأمير  منصور بن نوح  ، مع  أبي إسحاق  ، فعرفه أرباب تلك الدولة بالعقل ، والعفة ، وجودة الرأي والصرامة ، وعاد معه إلى غزنة  ، فلم يلبث  أبو إسحاق  أن توفي ، ولم يخلف من أهله وأقاربه من يصلح للتقدم ، فاجتمع عسكره ونظروا فيمن يلي أمرهم ، ويجمع كلمتهم ، فاختلفوا ثم اتفقوا على سبكتكين ، لما عرفوه من عقله ، ودينه ، ومروءته ، وكمال خلال الخير فيه ، فقدموه عليهم ، وولوه أمرهم ، وحلفوا له وأطاعوه فوليهم وأحسن السيرة فيهم ، وساس أمورهم سياسة حسنة ، وجعل   [ ص: 354 ] نفسه كأحدهم في الحال والمال ، وكان يذخر من أقطاعه ما يعمل منه طعاما لهم في كل أسبوع مرتين . 
ثم إنه جمع العساكر وسار نحو الهند  مجاهدا ، وجرى بينه وبين الهنود  حروب يشيب لها الوليد ، وكشف بلادهم ، وشن الغارات عليها ، وطمع فيها ، وخافه الهنود  ، ففتح من بلادهم حصونا ومعاقل ، وقتل منهم ما لا يدخل تحت الإحصاء . 
واتفق له في بعض غزواته أن الهنود  اجتمعوا في خلق كثير ، وطاولوه الأيام ، وماطلوه القتال ، فعدم الزاد عند المسلمين ، وعجزوا عن الامتيار ، فشكوا إليه ما هم فيه ، فقال لهم : إني استصحبت لنفسي شيئا من السويق استظهارا ، وأنا أقسمه بينكم قسمة عادلة على السواء إلى أن يمن الله بالفرج ، فكان يعطي كل إنسان منهم ملء قدح معه ، ويأخذ لنفسه مثل أحدهم ، فيجتزئ به يوما وليلة ، وهم مع ذلك يقاتلون الكفار ، فرزقهم الله عليهم النصر عليهم والظفر بهم ، فقتلوا منهم وأسروا خلقا كثيرا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					