ذكر المنصور خلاف كتامة على
وفي هذه السنة خرج إنسان آخر من كتامة يقال له أبو الفرج ، لا يعرف من أي موضع هو ، وزعم أن أباه ولد القائم العلوي ، جد ، فعمل أكثر مما عمله المعز لدين الله أبو الفهم ، واجتمعت إليه كتامة ، واتخذ البنود والطبول ، وضرب السكة ، وجرت بينه وبين نائب المنصور وعساكره بمدينة ميلة وسطيف حروب كثيرة ووقعات متعددة ، فسار المنصور إليه في عساكره ، وزحف هو إلى المنصور في عساكر كتامة ، فكان بينهما حرب شديدة ، فانهزم أبو الفرج وكتامة ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، واختفى أبو الفرج في غار في جبل ، فوثب عليه غلامان كانا له فأخذاه وأتيا به المنصور ، فسره ذلك وقتله شر قتلة .
وشحن المنصور بلاد كتامة بالعساكر ، وبث عماله فيها ، ولم يدخلها عامل قبل ذلك ، فجبوا أموالها وضيقوا على أهلها .
ورجع المنصور إلى مدينة أشير ، فأتاه سعيد بن خزرون الزناتي ، وكان أبوه قد تغلب على سجلماسة سنة خمس وستين وثلاثمائة ، وصار في طاعة المنصور ، واختص به ، وعلت منزلته عنده ، فقال له المنصور يوما : يا سعيد هل تعرف أحدا أكرم مني ؟ وكان قد وصله بمال كثير ، فقال : نعم ! أنا أكرم منك . فقال المنصور : وكيف ذلك ؟ قال : لأنك جدت علي بالمال ، وأنا جدت عليك بنفسي . فاستعمله المنصور على طبنة ، وزوج ابنه ببعض بنات سعيد . فلامه على ذلك بعض أهله ، فقال : كان أبي وجدي يستتبعانهم بالسيف ، [ وأما ] أنا فمن رماني برمح رميته بكيس ، حتى تكون مودتهم طبعا واختيارا .
[ ص: 432 ] ورجع سعيد إلى أهله ، وبقي إلى سنة إحدى وثمانين [ وثلاثمائة ] ، ثم عاد إلى المنصور زائرا ، فاعتل سعيد أياما ، وتوفي أول رجب . ثم قدم فلفل بن سعيد على المنصور ، فأحسن إليه ، وحمل إليه مالا كثيرا ، فرده إلى طبنة ولاية أبيه .