فصل
ثم بالأبواء ، ( أهدى له الصعب بن جثامة عجز حمار وحشي ، فرده عليه ، فقال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) . وفي " الصحيحين " : " أنه ( مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان )، وفي لفظ أهدى له حمارا وحشيا لمسلم ( لحم حمار وحش ) .
[ ص: 153 ] وقال : كان الحميدي سفيان يقول في الحديث : ( ) ، وربما قال أهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحم حمار وحش سفيان : يقطر دما ، وربما لم يقل ذلك ، وكان سفيان فيما خلا ربما قال : حمار وحش ، ثم صار إلى لحم حتى مات . وفي رواية : شق حمار وحش ، وفي رواية : رجل حمار وحش .
وروى ، عن يحيى بن سعيد جعفر ، عن ، عن أبيه ، عن عمرو بن أمية الضمري الصعب ( بالجحفة ، فأكل منه وأكل القوم ) . قال أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - عجز حمار وحش وهو : وهذا إسناد صحيح . فإن كان محفوظا ، فكأنه رد الحي وقبل اللحم . البيهقي
وقال رحمه الله : فإن كان الشافعي الصعب بن جثامة أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - الحمار حيا ، ، وإن كان أهدى له لحم الحمار ، فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له ، فرده عليه ، وإيضاحه في حديث فليس للمحرم ذبح حمار وحش جابر . قال : وحديث مالك أنه أهدى له حمارا أثبت من حديث من حدث له من لحم حمار .
قلت : أما حديث ، عن يحيى بن سعيد جعفر ، فغلط بلا شك ، فإن الواقعة واحدة ، وقد اتفق الرواة أنه لم يأكل منه ، إلا هذه الرواية الشاذة المنكرة .
[ ص: 154 ] وأما الاختلاف في كون الذي أهداه حيا ، أو لحما ، فرواية من روى لحما أولى لثلاثة أوجه .
أحدها : أن راويها قد حفظها ، وضبط الواقعة حتى ضبطها : أنه يقطر دما ، وهذا يدل على حفظه للقصة حتى لهذا الأمر لا يؤبه له .
الثاني : أن هذا صريح في كونه بعض الحمار ، وأنه لحم منه ، فلا يناقض قوله : أهدى له حمارا ، بل يمكن حمله على رواية من روى لحما ، تسمية للحم باسم الحيوان ، وهذا مما لا تأباه اللغة .
الثالث : أن سائر الروايات متفقة على أنه بعض من أبعاضه ، وإنما اختلفوا في ذلك البعض ، هل هو عجزه ، أو شقه ، أو رجله ، أو لحم منه ؟ ولا تناقض بين هذه الروايات ، إذ يمكن أن يكون الشق هو الذي فيه العجز ، وفيه الرجل ، فصح التعبير عنه بهذا وهذا ، وقد رجع عن قوله : " حمارا " ، وثبت على قوله : " لحم حمار " حتى مات . ابن عيينة
وهذا يدل على أنه تبين له أنه إنما أهدى له لحما لا حيوانا ، ولا تعارض بين هذا وبين أكله لما صاده ، فإن قصة أبو قتادة أبي قتادة كانت عام الحديبية سنة ست ، وقصة الصعب قد ذكر غير واحد أنها كانت في حجة الوداع ، منهم : المحب الطبري في كتاب " حجة الوداع " له . أو في بعض عمره وهذا مما ينظر فيه .
وفي قصة الظبي وحمار يزيد بن كعب السلمي البهزي ، هل كانت في حجة الوداع ، أو في بعض عمره والله أعلم ؟ فإن حمل حديث أبي قتادة على أنه لم يصده لأجله ، وحديث الصعب على أنه صيد لأجله ، زال الإشكال ، وشهد لذلك حديث جابر المرفوع : " " [ ص: 155 ] وإن كان الحديث قد أعل بأن صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم راويه عن المطلب بن حنطب جابر لا يعرف له سماع منه قاله . النسائي
قال في حجة الوداع له : فلما كان في بعض الطريق اصطاد الطبري حمارا وحشيا ، ولم يكن محرما ، فأحله النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بعد أن سألهم : هل أمره أحد منكم بشيء أو أشار إليه ؟ وهذا وهم منه رحمه الله ، فإن قصة أبو قتادة أبي قتادة إنما كانت عام الحديبية ، هكذا روي في " الصحيحين " من حديث عبد الله ابنه عنه قال : ( الحديبية ، فأحرم أصحابه ولم أحرم ) ، فذكر قصة الحمار الوحشي . انطلقنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عام