[ ص: 229 ] " منى قبل طلوع الفجر ، وكان ذلك عند غيبوبة القمر ، وأمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس "حديث صحيح صححه وأذن في تلك الليلة لضعفة أهله أن يتقدموا إلى وغيره . الترمذي
وأما حديث - رضي الله عنها - : عائشة ليلة [ ص: 230 ] النحر ، فرمت الجمرة قبل الفجر ، ثم مضت ، فأفاضت بأم سلمة ، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعني عندها ، رواه أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو داود ، فحديث منكر ، أنكره وغيره . ومما يدل على إنكاره أن فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن توافي صلاة الصبح يوم النحر الإمام أحمد بمكة ، وفي رواية : " توافيه بمكة " وكان يومها ، فأحب أن توافيه ، وهذا من المحال قطعا .
قال الأثرم : قال لي أبو عبد الله : حدثنا أبو معاوية ، عن هشام ، عن أبيه ، عن ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن توافيه يوم النحر زينب بنت أم سلمة بمكة ، لم يسنده غيره ، وهو خطأ .
وقال : عن أبيه مرسلا : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر وكيع بمكة ، أو نحو هذا ، وهذا أعجب أيضا ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر وقت الصبح ما يصنع بمكة ؟ ينكر ذلك . قال : فجئت إلى ، فسألته ، فقال :عن يحيى بن سعيد هشام عن أبيه :" أمرها أن توافي " وليس " توافيه " قال : وبين ذين فرق . قال : وقال لي يحيى : سل عبد الرحمن عنه ، فسألته ، فقال هكذا سفيان ، عن هشام ، عن أبيه . قال الخلال : سها الأثرم في حكايته عن "توافيه" ، وإنما قال وكيع : توافي وكيع منى . وأصاب في قوله : " توافي " كما قال أصحابه ، وأخطأ في قوله : " منى " .
قال الخلال : أنبأنا ، حدثنا علي بن حرب هارون بن عمران ، عن [ ص: 231 ] سليمان بن أبي داود ، عن ، عن أبيه ، قال : أخبرتني هشام بن عروة ، قالت : أم سلمة مكة ، فصليت بها الصبح ثم رجعت إلى منى . قدمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن قدم من أهله ليلة المزدلفة . قالت : فرميت بليل ، ثم مضيت إلى
قلت : سليمان بن أبي داود هذا : هو الدمشقي الخولاني ، ويقال : ابن داود . قال أبو زرعة ، عن أحمد : رجل من أهل الجزيرة ليس بشيء . وقال : ضعيف . عثمان بن سعيد
قلت : ومما يدل على بطلانه ، ما ثبت في " الصحيحين " ، عن ، عن القاسم بن محمد ، قالت عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة المزدلفة ، أن تدفع قبله ، وقبل حطمة الناس سودة ، وكانت امرأة ثبطة ، قالت فأذن لها ، فخرجت قبل دفعه ، وحبسنا حتى أصبحنا ، فدفعنا بدفعه ، ولأن أكون استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنته استأذنت أحب إلي من مفروح به ، فهذا الحديث الصحيح ، يبين أن نساءه غير سودة ، إنما دفعن معه . سودة
فإن قيل : فما تصنعون بحديث الذي رواه عائشة وغيره عنها ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الدارقطني ". أمر نساءه أن يخرجن من جمع ليلة جمع ، فيرمين الجمرة ، ثم تصبح في منزلها ، وكانت تصنع ذلك حتى ماتت
قيل : يرده أحد رواته ، كذبه غير واحد . ويرده أيضا : [ ص: 232 ] حديثها الذي في " الصحيحين " وقولها : وددت إني كنت استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما استأذنته محمد بن حميد . سودة
وإن قيل : فهب أنكم يمكنكم رد هذا الحديث ، فما تصنعون بالحديث الذي رواه في "صحيحه" ، عن مسلم أم حبيبة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بعث بها من جمع بليل . قيل قد ثبت في " الصحيحين" ، وكان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم تلك الليلة ضعفة أهله فيمن قدم . وثبت أنه قدم ابن عباس ، وثبت أنه حبس نساءه عنده حتى دفعن بدفعه . وحديث سودة أم حبيبة ، انفرد به . فإن كان محفوظا ، فهي إذا من الضعفة التي قدمها . مسلم
فإن قيل : فما تصنعون بما رواه ، عن الإمام أحمد ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث به مع أهله إلى ابن عباس منى يوم النحر ، فرموا الجمرة مع الفجر ، قيل : نقدم عليه حديثه الآخر الذي رواه أيضا ، الإمام أحمد وصححه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم ضعفة أهله ، وقال : " والترمذي " ولفظ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس أحمد فيه : قدمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع ، فجعل يلطح أفخاذنا ويقول : " " لأنه أصح منه ، وفيه نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أي بني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ، وهو محفوظ بذكر القصة فيه . رمي الجمرة قبل طلوع الشمس
والحديث الآخر : إنما فيه : أنهم رموها مع الفجر ، ثم تأملنا فإذا أنه لا تعارض بين هذه الأحاديث ، فإنه أمر الصبيان أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس ، فإنه لا عذر لهم في تقديم الرمي ، أما من قدمه من النساء فرمين قبل [ ص: 233 ] طلوع الشمس للعذر ، والخوف عليهن من مزاحمة الناس وحطمهم ، وهذا الذي دلت عليه السنة ، جواز الرمي قبل طلوع الشمس للعذر بمرض ، أو كبر يشق عليه مزاحمة الناس لأجله ، وأما القادر الصحيح فلا يجوز له ذلك .
وفي المسألة ثلاثة مذاهب ، أحدها : الجواز بعد نصف الليل مطلقا للقادر والعاجز ، كقول الشافعي وأحمد - رحمهما الله -.
والثاني : لا يجوز إلا بعد طلوع الفجر كقول - رحمه الله - . أبي حنيفة
والثالث : لا يجوز لأهل القدرة إلا بعد طلوع الشمس ، كقول جماعة من أهل العلم . والذي دلت عليه السنة ، إنما هو التعجيل بعد غيبوبة القمر ، لا نصف الليل ، وليس مع من حده بالنصف دليل والله أعلم .