فصل
فلما طلع الفجر ، صلاها في أول الوقت لا قبله قطعا بأذان وإقامة يوم النحر ، وهو يوم العيد ، وهو يوم الحج الأكبر ، وهو يوم الأذان ببراءة الله ورسوله ، من كل مشرك .
ثم ركب حتى ، والتكبير ، والتهليل ، والذكر حتى أسفر جدا ، وذلك قبل طلوع الشمس . أتى موقفه عند المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ، وأخذ في الدعاء والتضرع
وهنالك سأله عروة بن مضرس الطائي ، فقال : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ! إني جئت من جبلي طيئ ، أكللت راحلتي ، وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا ، فقد أتم حجه ، وقضى تفثه " قال من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف : حديث حسن صحيح . الترمذي
[ ص: 234 ] وبهذا احتج من ذهب إلى أن بمزدلفة والمبيت بها ، ركن الوقوف كعرفة ، وهو مذهب اثنين من الصحابة : ، ابن عباس وابن الزبير - رضي الله عنهما - ، وإليه ذهب ، إبراهيم النخعي ، والشعبي وعلقمة ، ، وهو مذهب والحسن البصري ، الأوزاعي ، وحماد بن أبي سليمان ، وداود الظاهري ، واختاره المحمدان : وأبي عبيد القاسم بن سلام ، ابن جرير ، وهو أحد الوجوه للشافعية ، ولهم ثلاث حجج . هذه إحداها ، والثانية : قوله تعالى : ( وابن خزيمة فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) [ البقرة 198 ] .
والثالثة : فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي خرج مخرج البيان لهذا الذكر المأمور به .
واحتج من لم يره ركنا ، بأمرين :
أحدهما : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مد وقت الوقوف بعرفة إلى طلوع الفجر ، وهذا يقتضي أن من بعرفة قبل طلوع الفجر بأيسر زمان ، صح حجه ، ولو كان الوقوف وقف بمزدلفة ركنا لم يصح حجه .
الثاني : أنه لو كان ركنا ، لاشترك فيه الرجال والنساء ، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النساء بالليل ، علم أنه ليس بركن ، وفي الدليلين نظر ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قدمهن بعد المبيت بمزدلفة ، وذكر الله تعالى بها لصلاة عشاء الآخرة ، والواجب هو ذلك . وأما توقيت الوقوف بعرفة إلى الفجر ، فلا ينافي أن يكون المبيت بمزدلفة ركنا ، وتكون تلك الليلة وقتا لهما كوقت المجموعتين من الصلوات ، وتضييق الوقت لأحدهما لا يخرجه عن أن يكون وقتا لهما حال القدرة .