[ ص: 236 ] وسأله آخر هنالك عن أمه ، فقال إنها عجوز كبيرة ، فإن حملتها لم تستمسك ، وإن ربطتها خشيت أن أقتلها ، فقال : " فحج عن أمك " . أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيه ؟ قال : نعم . قال :
فلما أتى بطن محسر ، حرك ناقته وأسرع السير ، وهذه كانت عادته في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه ، فإن هنالك أصاب أصحاب الفيل ما قص الله علينا ، ولذلك سمي ذلك الوادي وادي محسر ؛ لأن الفيل حسر فيه ، أي أعيي وانقطع عن الذهاب إلى مكة ، وكذلك فعل في سلوكه الحجر ديار ثمود ، فإنه تقنع بثوبه ، وأسرع السير .
ومحسر : برزخ بين منى وبين مزدلفة ، لا من هذه ولا من هذه .
وعرنة : برزخ بين عرفة والمشعر الحرام ، فبين كل مشعرين برزخ ليس منهما .
فمنى : من [ ص: 237 ] الحرم ، وهي مشعر ، ومحسر : من الحرم ، وليس بمشعر ، ومزدلفة : حرم ومشعر ، وعرنة ليست مشعرا ، وهي من الحل . وعرفة : حل ومشعر .
وسلك - صلى الله عليه وسلم - الطريق الوسطى بين الطريقين ، وهي التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى منى ، فأتى جمرة العقبة ، فوقف في أسفل الوادي ، وجعل البيت عن يساره ، ومنى عن يمينه ، بعد طلوع الشمس ، واحدة بعد واحدة ، يكبر مع كل حصاة ، وحينئذ قطع التلبية . واستقبل الجمرة ، وهو على راحلته فرماها راكبا
وكان في مسيره ذلك يلبي حتى شرع في الرمي ، ورمى بلال وأسامة معه أحدهما آخذ بخطام ناقته ، والآخر يظلله بثوب من الحر . وفي هذا : دليل على جواز ونحوه ، إن كانت قصة هذا الإظلال يوم النحر ثابتة ، وإن كانت بعده في أيام استظلال المحرم بالمحمل منى فلا حجة فيها ، وليس في الحديث بيان في أي زمن كانت . والله أعلم .