وقد تقدم أنه كان ، وأنه نهى عن ذلك في حديث لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول ولا بغائط أبي أيوب ، وسلمان الفارسي ، وأبي هريرة ومعقل بن أبي معقل ، ، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم ، وعامة هذه الأحاديث صحيحة ، وسائرها حسن والمعارض لها إما معلول السند وإما ضعيف الدلالة فلا يرد صريح نهيه المستفيض عنه بذلك كحديث وعبد الله بن [ ص: 351 ] عمر عن عراك ، عائشة رواه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن أناسا يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم فقال ( أوقد فعلوها حولوا مقعدتي قبل القبلة ) . الإمام أحمد
وقال هو أحسن ما روي في الرخصة ، وإن كان مرسلا ، ولكن هذا الحديث قد طعن فيه وغيره من أئمة الحديث ، ولم يثبتوه ، ولا يقتضي كلام البخاري تثبيته ولا تحسينه ، قال الإمام أحمد في كتاب " العلل الكبير " له : سألت الترمذي عن هذا الحديث فقال : هذا حديث فيه اضطراب ، والصحيح عندي عن أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري من قولها انتهى . عائشة
قلت : وله علة أخرى ، وهي انقطاعه بين عراك ، فإنه لم يسمع منها ، وقد رواه وعائشة عن عبد الوهاب الثقفي عن رجل عن خالد الحذاء ، وله علة أخرى ، وهي ضعف عائشة خالد بن أبي الصلت .
ومن ذلك حديث جابر : ، وهذا الحديث استغربه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستقبل القبلة ببول ، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها بعد تحسينه ، وقال الترمذي في كتاب " العلل " : سألت الترمذي عن هذا الحديث فقال : هذا حديث صحيح ، رواه غير واحد عن محمدا يعني البخاري ، فإن كان مراد ابن إسحاق صحته عن البخاري ، لم يدل على صحته في نفسه ، وإن كان مراده صحته في نفسه ، فهي واقعة عين ، حكمها حكم حديث ابن إسحاق لما رأى " ابن عمر الكعبة " ، وهذا يحتمل وجوها ستة : نسخ [ ص: 352 ] لمكان أو غيره ، وأن يكون بيانا ، لأن النهي ليس على التحريم ولا سبيل إلى الجزم بواحد من هذه الوجوه على التعيين ، وإن كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر جابر لا يحتمل الوجه الثاني منها ، فلا سبيل إلى ترك أحاديث النهي الصحيحة الصريحة المستفيضة بهذا المحتمل .
وقول : إنما نهي عن ذلك في الصحراء ، فهم منه لاختصاص النهي بها ، وليس بحكاية لفظ النهي ، وهو معارض بفهم ابن عمر أبي أيوب للعموم ، مع سلامة قول أصحاب العموم من التناقض الذي يلزم المفرقين بين الفضاء والبنيان ، فإنه يقال لهم ما حد الحاجز الذي يجوز ذلك معه في البنيان ؟ ولا سبيل إلى ذكر حد فاصل ، وإن جعلوا مطلق البنيان مجوزا لذلك ، لزمهم جوازه في الفضاء الذي يحول بين البائل وبينه جبل قريب أو بعيد ، كنظيره في البنيان ، وأيضا فإن النهي تكريم لجهة القبلة ، وذلك لا يختلف بفضاء ولا بنيان ، وليس مختصا بنفس البيت ، فكم من جبل وأكمة حائل بين البائل وبين البيت ، بمثل ما تحول جدران البنيان وأعظم ، وأما جهة القبلة فلا حائل بين البائل وبينها ، وعلى الجهة وقع النهي لا على البيت نفسه فتأمله .