الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

فإن قيل : عقه عن الحسن والحسين بكبش كبش يدل على أن هديه أن على الرأس رأسا ، وقد صحح عبد الحق الإشبيلي من حديث ابن عباس وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ( عق عن الحسن بكبش ، وعن الحسين بكبش ) وكان مولد الحسن عام أحد ، والحسين في العام القابل منه .

[ ص: 300 ] وروى الترمذي من حديث علي رضي الله عنه قال : عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن شاة ، وقال : ( يا فاطمة احلقي رأسه ، وتصدقي بزنة شعره فضة ، فوزناه فكان وزنه درهما ، أو بعض درهم ) وهذا وإن لم يكن إسناده متصلا فحديث أنس وابن عباس يكفيان .

قالوا : لأنه نسك فكان على الرأس مثله كالأضحية ودم التمتع . فالجواب أن أحاديث الشاتين عن الذكر ، والشاة عن الأنثى أولى أن يؤخذ بها لوجوه .

أحدها : كثرتها ، فإن رواتها : عائشة وعبد الله بن عمرو ، وأم كرز الكعبية ، وأسماء .

فروى أبو داود عن أم كرز قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة ) .

قال أبو داود : وسمعت أحمد يقول : مكافئتان مستويتان أو مقاربتان ، قلت : هو مكافأتان بفتح الفاء ومكافئتان بكسرها ، والمحدثون يختارون الفتح ، قال الزمخشري : لا فرق بين الروايتين لأن كل من كافأته ، فقد كافأك . وروي أيضا عنها ترفعه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أقروا الطير على مكناتها ) .

[ ص: 301 ] وسمعته يقول : ( عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة ، لا يضركم أذكرانا كن أم إناثا ) وعنها أيضا ترفعه ( عن الغلام شاتان مثلان ، وعن الجارية شاة ) ، وقال الترمذي حديث صحيح .

وقد تقدم حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده في ذلك ، وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم ( عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة ) . قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

وروى إسماعيل بن عياش عن ثابت بن عجلان ، عن مجاهد عن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يعق عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة ) . قال مهنا : قلت لأحمد : من أسماء ؟ فقال : ينبغي أن تكون أسماء بنت أبي بكر .

وفي كتاب الخلال قال مهنا : قلت لأحمد : حدثنا خالد بن خداش ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : حدثنا عمرو بن الحارث أن أيوب بن موسى حدثه أن يزيد بن عبد المزني حدثه عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم ) ، وقال : ( في الإبل الفرع ، وفي الغنم الفرع ) ، فقال [ ص: 302 ] أحمد : ما أعرفه ، ولا أعرف عبد بن يزيد المزني ، ولا هذا الحديث . فقلت له : أتنكره ؟ فقال : لا أعرفه ، وقصة الحسن والحسين رضي الله عنهما حديث واحد .

الثاني : أنها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحاديث الشاتين من قوله ، وقوله عام ، وفعله يحتمل الاختصاص .

الثالث : أنها متضمنة لزيادة ، فكان الأخذ بها أولى .

الرابع : أن الفعل يدل على الجواز ، والقول على الاستحباب ، والأخذ بهما ممكن ، فلا وجه لتعطيل أحدهما .

الخامس : أن قصة الذبح عن الحسن والحسين كانت عام أحد والعام الذي بعده ، وأم كرز سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم ما روته عام الحديبية سنة ست بعد الذبح عن الحسن والحسين ، قاله النسائي في كتابه الكبير .

السادس : أن قصة الحسن والحسين يحتمل أن يراد بها بيان جنس المذبوح ، وأنه من الكباش لا تخصيصه بالواحد كما قالت عائشة : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بقرة ، وكن تسعا ، ومرادها : الجنس لا التخصيص بالواحدة .

السابع : أن الله سبحانه فضل الذكر على الأنثى ، كما قال : ( وليس الذكر كالأنثى ) [ آل عمران 37 ] ، ومقتضى هذا التفاضل ترجيحه عليها في الأحكام ، وقد جاءت الشريعة بهذا التفضيل في جعل الذكر كالأنثيين في الشهادة والميراث والدية ، فكذلك ألحقت العقيقة بهذه الأحكام .

الثامن : أن العقيقة تشبه العتق عن المولود ، فإنه رهين بعقيقته ، فالعقيقة تفكه وتعتقه ، وكان الأولى أن يعق عن الذكر بشاتين ، وعن الأنثى بشاة ، كما أن عتق الأنثيين يقوم مقام عتق الذكر . كما في " جامع الترمذي " وغيره عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلما ، كان فكاكه من [ ص: 303 ] النار يجزي كل عضو منه عضوا منه ، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار ، يجزي كل عضو منهما عضوا منه ، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار ، يجزي كل عضو منها عضوا منها ) ، وهذا حديث صحيح .

فصل

ذكر أبو داود في " المراسيل " عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين رضي الله عنهما ، ( أن ابعثوا إلى بيت القابلة برجل ، وكلوا وأطعموا ، ولا تكسروا منها عظما ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية