فصل 
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في العطاس  ما ذكره أبو داود  ،  والترمذي  ، عن  أبي هريرة   : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه ، وخفض أو غض به صوته  ) قال  الترمذي   : حديث صحيح . 
ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم : ( إن التثاؤب الشديد ، والعطسة الشديدة من الشيطان  ) 
ويذكر عنه ( إن الله يكره رفع الصوت بالتثاؤب والعطاس   ) . 
 [ ص: 402 ] وصح عنه : ( إنه عطس عنده رجل فقال له : " يرحمك الله " . ثم عطس أخرى ، فقال : الرجل مزكوم  ) . هذا لفظ  مسلم  أنه قال في المرة الثانية ، وأما  الترمذي   : فقال فيه عن  سلمة بن الأكوع   : ( عطس رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شاهد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يرحمك الله " ، ثم عطس الثانية والثالثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا رجل مزكوم  ) . 
قال  الترمذي   : هذا حديث حسن صحيح . 
وقد روى أبو داود  عن  سعيد بن أبي سعيد  ، عن  أبي هريرة  موقوفا عليه ( شمت أخاك ثلاثا ، فما زاد ، فهو زكام   ) 
وفي رواية عن سعيد  ، قال : لا أعلمه إلا أنه رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه . قال أبو داود   : رواه أبو نعيم  ، عن موسى بن قيس  ، عن  محمد بن عجلان  ، عن سعيد  ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى . وموسى بن قيس  هذا الذي رفعه هو الحضرمي الكوفي يعرف بعصفور الجنة   . قال  يحيى بن معين   : ثقة . وقال  أبو حاتم الرازي   : لا بأس به . 
وذكر أبو داود  ، عن عبيد بن رفاعة الزرقي  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تشمت العاطس ثلاثا ، فإن شئت فشمته ، وإن شئت فكف  ) ، ولكن له علتان: 
إحداهما : إرساله فإن عبيدا  هذا ليست له صحبة 
والثانية : أن فيه أبا خالد يزيد بن عبد الرحمن الدالاني  ، وقد تكلم فيه . 
 [ ص: 403 ] وفي الباب حديث آخر عن  أبي هريرة  يرفعه ( إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه فإن زاد على الثلاثة فهو مزكوم ، ولا تشمته بعد الثلاث  ) وهذا الحديث هو حديث أبي داود  الذي قال فيه : رواه أبو نعيم  ، عن موسى بن قيس  ، عن  محمد بن عجلان  ، عن سعيد  ، عن  أبي هريرة  ، وهو حديث حسن . 
فإن قيل : إذا كان به زكام ، فهو أولى أن يدعى له ممن لا علة به ؟ قيل : يدعى له كما يدعى للمريض ، ومن به داء ووجع . 
وأما سنة العطاس الذي يحبه الله ، وهو نعمة ، ويدل على خفة البدن ، وخروج الأبخرة المحتقنة ، فإنما يكون إلى تمام الثلاث وما زاد عليها يدعى لصاحبه بالعافية . 
وقوله في هذا الحديث : ( الرجل مزكوم ) تنبيه على الدعاء له بالعافية ؛ لأن الزكمة علة ، وفيه اعتذار من ترك تشميته بعد الثلاث ، وفيه تنبيه له على هذه العلة ليتداركها ولا يهملها ، فيصعب أمرها ، فكلامه صلى الله عليه وسلم كله حكمة ورحمة ، وعلم وهدى . 
وقد اختلف الناس في مسألتين : إحداهما : أن العاطس إذا حمد الله فسمعه بعض الحاضرين دون بعض  ، هل يسن لمن لم يسمعه تشميته ؟ فيه قولان ، والأظهر : أنه يشمته إذا تحقق أنه حمد الله ، وليس المقصود سماع المشمت للحمد ، وإنما المقصود نفس حمده ، فمتى تحقق ترتب عليه التشميت ، كما لو كان المشمت أخرس ورأى حركة شفتيه بالحمد . ( والنبي صلى الله عليه وسلم قال : فإن حمد الله فشمتوه  ) هذا هو الصواب . 
الثانية : إذا ترك الحمد فهل يستحب لمن حضره أن يذكره الحمد  ؟ قال  ابن العربي   : لا يذكره ، قال : وهذا جهل من فاعله . وقال النووي   : أخطأ من زعم  [ ص: 404 ] ذلك ، بل يذكره ، وهو مروي عن  إبراهيم النخعي   . قال : وهو من باب النصيحة ، والأمر بالمعروف ، والتعاون على البر والتقوى ، وظاهر السنة يقوي قول  ابن العربي  لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشمت الذي عطس ، ولم يحمد الله ، ولم يذكره وهذا تعزير له وحرمان لبركة الدعاء لما حرم نفسه بركة الحمد، فنسي الله، فصرف قلوب المؤمنين وألسنتهم عن تشميته والدعاء له ، ولو كان تذكيره سنة ، لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بفعلها وتعليمها ، والإعانة عليها . 
فصل 
وصح عنه صلى الله عليه وسلم ( أن اليهود  كانوا يتعاطسون عنده ، يرجون أن يقول لهم : يرحمكم الله ، فكان يقول : يهديكم الله ويصلح بالكم   ) 
				
						
						
