وأما : فأشد الناس فيه قولا الغرر أبو حنيفة . والشافعي
أما : فإنه يدخل في هذا الاسم من الأنواع ما لا يدخله غيره من الفقهاء ، مثل الحب والثمر في قشره الذي ليس بصوان ، كالباقلاء والجوز واللوز في قشره الأخضر ، وكالحب في سنبله ، فإن القول الجديد عنده : أن ذلك لا يجوز ، مع أنه قد اشترى في مرض موته باقلاء أخضر . فخرج ذلك له قولا ، واختاره طائفة من أصحابه ، الشافعي . وروى عنه أنه ذكر له أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : كأبي سعيد الإصطخري بيع الحب حتى يشتد فدل على جواز بيعه بعد اشتداده ، وإن كان في سنبله . فقال : إن صح هذا أخرجته من العام ، أو كلاما قريبا من هذا . وكذلك ذكر أنه رجع عن القول بالمنع . نهى عن
[ ص: 177 ] قال ابن المنذر : جواز ذلك هو قول مالك وأهل المدينة ، وعبيد الله [ بن الحسن ] وأهل البصرة وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي . وقال مرة : لا يجوز ، ثم بلغه حديث الشافعي ، فرجع عنه وقال به . قال ابن عمر ابن المنذر : ولا أعلم أحدا يعدل عن القول به .
وذكر بعض أصحابه له قولين ، وأن الجواز هو القديم ، حتى منع من بيع الأعيان الغائبة بصفة وغير صفة ، متأولا أن غرر وإن وصف ، حتى اشترط فيما في الذمة - كدين السلم - من الصفات وضبطها ما لم يشترطه غيره . ولهذا يتعذر أو يتعسر على الناس المعاملة في العين ، والدين بمثل هذا القول . وقاس على بيع الغرر جميع العقود ، من التبرعات والمعاوضات ، فاشترط في أجرة الأجير وفدية الخلع والكتابة ، وصلح أهل الهدنة ، وجزية بيع الغائب أهل الذمة : ما اشترطه في البيع عينا ودينا ، ولم يجوز في ذلك جنسا وقدرا وصفة إلا ما يجوز مثله في البيع ، وإن كانت هذه العقود لا تبطل بفساد أعواضها ، أو يشترط لها شروط أخر .
وأما : فإنه يجوز أبو حنيفة ، ويجوز بيع الباقلاء ونحوه في القشرين ، ويجوز أن تكون إجارة الأجير بطعامه وكسوته ، كجهالة مهر المثل ويجوز بيع الأعيان الغائبة بلا صفة مع الخيار ؛ لأنه يرى وقف العقود ، لكنه يحرم المساقاة والمزارعة ونحوهما من المعاملات مطلقا ، جهالة المهر يجوز بيع بعض ذلك ، ويحرم أيضا كثيرا من الشروط في البيع والإجارة والنكاح وغير ذلك مما يخالف مطلق العقد . والشافعي
[ ص: 178 ] يجوز بعض ذلك ، ويجوز من الوكالات والشركات ما لا يجوزه وأبو حنيفة ، حتى جوز الشافعي . شركة المفاوضة والوكالة بالمجهول المطلق
وقال : إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة فما أعلم شيئا باطلا . الشافعي
فبينهما في هذا الباب عموم وخصوص ، لكن أصول المحرمة أكثر من أصول الشافعي في ذلك . أبي حنيفة
وأما مالك : فمذهبه أحسن المذاهب في هذا . فيجوز بيع هذه الأشياء وجميع ما تدعو إليه الحاجة ، أو يقل غرره ، بحيث يحتمل في العقود ، حتى يجوز بيع المقاثي جملة ، ، كالجزر والفجل ونحو ذلك . وبيع المغيبات في الأرض
وأحمد قريب منه في ذلك ، فإنه يجوز هذه الأشياء ، ويجوز - على المنصوص عنه - أن ، أو عبدا من عبيده ونحو ذلك مما لا يزيد جهالة على مهر المثل ، وإن كان من أصحابه من يجوز المبهم دون المطلق ، يكون المهر عبدا مطلقا كأبي الخطاب ، ومنهم من يوافق ، فلا يجوز في المهر وفدية الخلع ونحوهما إلا ما يجوز في المبيع ، الشافعي كأبي بكر عبد العزيز . ويجوز - على المنصوص عنه - في فدية الخلع أكثر من ذلك ، حتى ما يجوز في الوصية وإن لم يجز في المهر ، كقول مالك ، مع اختلاف في مذهبه ليس هذا موضعه ، لكن المنصوص عنه : أنه لا يجوز بيع المغيب في الأرض ، كالجزر ونحوه إلا إذا قلع ، وقال : هذا الغرر شيء ليس يراه ، كيف يشتريه ؟ والمنصوص عنه : أنه لا يجوز ونحوه إلا لقطة لقطة ، ولا يباع من المقاثي والمباطخ إلا ما ظهر دون ما [ ص: 179 ] بطن ، ولا تباع الرطبة إلا جزة جزة ، كقول بيع القثاء والخيار والباذنجان أبي حنيفة ؛ لأن ذلك غرر ، وهو بيع الثمرة قبل بدو صلاحها . والشافعي
ثم اختلف أصحابه فأكثرهم أطلقوا ذلك في كل مغيب ، كالجزر والفجل والبصل وما أشبه ذلك كقول [ الشافعي ] . وأبي حنيفة
وقال الشيخ أبو محمد : إذا كان مما يقصد فروعه وأصوله ، كالبصل المبيع أخضر ، والكراث والفجل ، أو كان المقصود فروعه ، فالأولى جواز بيعه ؛ لأن المقصود منه ظاهر فأشبه الشجر [والحيطان] ، ويدخل ما لم يظهر في البيع تبعا ، وإن كان معظم المقصود منه أصوله لم يجز بيعه في الأرض ؛ لأن الحكم للأغلب ، وإن تساويا لم يجز أيضا ؛ لأن الأصل اعتبار الشرط ، وإنما سقط في الأقل التابع .
وكلام أحمد يحتمل وجهين ، فإن أبا داود قال : قلت لأحمد : ؟ قال : لا يجوز بيعه إلا ما قلع منه . هذا الغرر ، شيء ليس يراه ، كيف يشتريه ؟ فعلل بعدم الرؤية . بيع الجزر في الأرض
فقد يقال : إن لم يره كله لم يبع ، وقد يقال : رؤية بعض المبيع تكفي إذا دلت على الباقي ، كرؤية وجه العبد .