الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( أو ) ( لم يتحقق ) صائده أو غيره ( المبيح ) لأكله ( في ) حال ( شركة غير ) أي غير المبيح للمبيح في قتله فلا يؤكل تغليبا لجانب المحرم ، ومثل لذلك بقوله ( كماء ) أي كشركة ماء بأن جرحه المسلم المميز فتحامل الصيد ووقع في ماء أو رماه ، وهو في الماء فمات فلم يتحقق الذي مات منه هل هو الجرح أو الماء ( أو ) شركة سم في ( ضرب ) له ( بمسموم ) أي بسهم مسموم ولم ينفذ مقتله بالسهم فمات قبل ذكاته ( أو ) شركة ( كلب مجوسي ) لكلب المسلم ، ومثل الكلب السهم ولو قال كافر بدل مجوسي كان أحسن فإن علم أن كلب المسلم هو الذي أنفذ مقتله أولا أكل ، وهو ظاهر ( أو ) شركة نهش جارح للذكاة ( بنهشه ) أي الجارح والباء بمعنى عند ( ما ) أي صيدا ( قدر ) الصائد ( على خلاصه ) أي خلاص الصيد ( منه ) أي من الجارح فترك تخليصه منه حتى مات فلا يؤكل ( أو أغرى ) الصائد جارحه بعد انبعاثه بنفسه ( في الوسط ) أي أثناء إطلاقه بل ، ولو أغراه ابتداء حيث لم يكن بيده ، وهو فعل ماض عطف على ظنه فليس من أمثلة الشركة لا مصدر مجرور بالعطف على ماء إذ لا يصح أن يكون من أمثلة الشركة ( أو ) ( تراخى ) الصائد ( في اتباعه ) أي اتباع الجارح بعد إرساله حتى وجده ميتا فلا يؤكل لاحتمال إدراك ذكاته لو جد ( إلا أن يتحقق أنه ) إن جد ( لا يلحقه ) حيا ( أو حمل الآلة ) للذبح ( مع غير ) ، وهو يعلم أنه يسبق ذلك الغير ( أو ) وضعها ( بخرج ) ونحوه مما يستدعي طولا فمات بنفسه بحيث لو كانت في يده أو حزامه لأدركه ( أو ) ( بات ) الصيد [ ص: 106 ] ثم وجده من الغد ميتا لم يؤكل لاحتمال موته بشيء من الهوام مثلا ( أو ) ( صدم أو عض ) الجارح الصيد ( بلا جرح ) فيهما أي بلا إدماء ، ولو مع شق لجلده إلا أن يكون الصيد مريضا فشق جلده ، ولم ينزل منه دم فيكفي ( أو ) أرسله على غير مرئي ، وليس المكان محصورا أو ( قصد ما وجد ) جارحه أو سهمه في طريقه ( أو ) أرسل جارحا فمسك الصيد ثم ( أرسل ) جارحا ( ثانيا بعد مسك أول ) للصيد ( وقتل ) الثاني أو قتلا جميعا فلا يؤكل للشك في المبيح ( أو ) ( اضطرب ) الجارح ( فأرسل ) الصائد جارحه عليه ( ولم ير ) الصيد بالبناء للمفعول ، وليس المكان محصورا من غار أو غيضة فصاد شيئا لم يؤكل لاحتمال أن يكون غير المضطرب عليه وصيده غير منوي ( إلا أن ينوي المضطرب ) بفتح الراء أي المضطرب عليه ( وغيره فتأويلان ) بالأكل إذ صيده منوي حينئذ ، وعدمه إذ شرطه الرؤية أو انحصار المكان ، ولم يوجد واحد منهما .

التالي السابق


( قوله : فلم يتحقق الذي مات منه هل هو الجرح أو الماء ) محل عدم الأكل حيث لم ينفذ شيء من المقاتل ، وأما إذا نفذت مقاتله ثم شارك المبيح غيره فإنه لا يضر ( قوله : فمات قبل ذكاته ) أي فلم يتحقق هل مات من الجرح أو السم ( قوله : أو شركة كلب مجوسي ) أي كلب أرسله مجوسي ، وقوله لكلب المسلم أي للكلب الذي أرسله المسلم كان ملكا له أو لا ( قوله : كان أحسن ) أي ; لأن التقييد بمجوسي يقتضي أنه يؤكل إذا شارك كلب الكتابي كلب المسلم ، وليس كذلك ( قوله : أو شركة نهش ) أي أنه لا يؤكل إن شارك نهش الجارح الذكاة كما لو نهش الجارح صيدا قدر الصائد على خلاصه منه فترك تخليصه منه حتى مات ، والحال أنه جرحه أولا قبل النهش ، ولم يعلم هل مات من نهشه له بعد الجرح أو لا أو مات من الجرح الذي حصلت له به الذكاة أو لا ؟ . وكذا لو ذبحه في حال نهش الجارح له ، والحال أنه قادر على خلاص الصيد ، ولم يتحقق أنه إذا ذكاه ، وهو مجتمع الحياة فإن لم يقدر على خلاصه من الجارح حتى مات من نهشه أكل إن كان الجارح قد جرحه .

( قوله : بنهشه ) أي ، وذلك عند نهش الجارح صيدا قدر إلخ ( قوله : عطف على ظنه إلخ ) أي فالمعنى لا إن ظنه حراما ، ولا إن أغرى الصائد جارحه في الوسط أي فإنه لا يؤكل سواء زاده الإغراء قوة واستيلاء أم لا ، وقد علمت أن هذا مبني على القول الذي رجع إليه مالك من أنه لا بد في حل الصيد من إرسال الصائد الجارح من يده إما على مقابله من عدم اشتراط ذلك فإنه يؤكل ، ولو أرسله من غير يده أو أغراه في الوسط بعد انبعاثه بنفسه ( قوله : مما يستدعي طولا ) أي في إخراجها منه ( قوله : حتى وجده ميتا ) ظاهره ، ولو وجد السهم في مقاتله ، وقد أنفذها ، وهو ما في المدونة ، وذلك لاحتمال غوص السهم في المقاتل بحركات الصيد لكن قال ابن المواز لا بأس بأكل ما أنفذ السهم مقاتله وإن بات قاله أصبغ قال [ ص: 106 ] لأنه أمن عليه مما يخاف عليه الفقهاء أن يكون موته بسببه من غير سبب السهم قال : ولم نجد لرواية ابن القاسم هذه عن مالك ذكرا في كتاب السماع ، ولا رواها عنه أحد من أصحابه ، ولم نشك أن ابن القاسم وهم فيها ابن المواز وبه أقول ابن يونس ، وهو الصواب ابن رشد ، وهو أظهر الأقوال قال سليمان الباجي ، وقاله سحنون ، وعليه جماعة من أصحابنا . ا هـ . مواق ( قوله : ثم وجده من الغد ميتا ) الغد ليس بقيد ، وإن كان ظاهر المصنف بل المراد أنه خفي عليه مدة من الليل فيها طول بحيث يلتبس الحال ، ولا يدري هل مات من الجارح أو أعان على قتله شيء من الهوام التي تظهر فيه كالأفاعي فلو رماه فغاب عنه يوما كاملا ثم وجده ميتا فإنه يؤكل حيث لم يتراخ في اتباعه ، وهذا مفهوم قوله بات ، والفرق بين الليل والنهار أن الصيد يمنع نفسه من الهوام في النهار دون الليل فإذا غاب ليلا احتمل مشاركة الهوام التي تظهر فيه للسهم بخلاف ما إذا غاب نهارا فإنه لا يحتمل ذلك ( قوله : لاحتمال موته ) كذا عللوا عدم الأكل وحينئذ فالأحسن لو قدمالمصنف هذا الفرع وجعله من أفراد قوله ، ولم يتحقق المبيح في شركة ( قوله : أو صدم ) أي بأن ضربه فرماه وصار يمرغه حتى مات ( قوله : بلا جرح فيهما ) أي ، ومات الصيد بذلك ، وليس مفهوم قوله بلا جرح هنا مكررا مع منطوق قوله سابقا وجرح مسلم ; لأنه مفهوم غير شرط ، وهو لا يعتبره فاندفع ما يقال الأولى إسقاط قوله بلا جرح ، ويكون قوله : أو صدم أو عض معناه من غير جرح ; لأنه محترز قوله وجرح مسلم ( قوله : على غير مرأى ) أي فذهب الجارح فأتى بصيد ميت فلا يؤكل ; لأن شرط الأكل رؤية الصيد وقت الإرسال أو كون المكان الذي أرسل فيه الجارح محصورا ، ولم يوجد واحد منهما ( قوله : وقتل الثاني ) إنما لم يؤكل ; لأن الثاني قتل الصيد ، وهو مقدور عليه حين إرساله وتقدم أن شرط أكل الصيد بالعقر أن يكون معجوزا عنه حين الإرسال فلو أرسل ثانيا بعد مسك الأول له فقتله الأول قبل وصول الثاني إليه فلا شك أنه يؤكل للعجز عنه حين إرسال قاتله .

وكذلك لو أرسل الثاني قبل مسك الأول فقتله الثاني قبل مسك الأول أو بعده أو قتلاه معا ( قوله : لم يؤكل لاحتمال أن يكون إلخ ) هذا أحد القولين لمالك والثاني يؤكل بناء على أن الغالب كالمحقق إذ الغالب أن الجارح إنما أخذ ما اضطرب عليه والقول الذي مشى عليه المصنف من عدم الأكل ، وهو ما في العتبية حيث قالت ، ولو رأى الجارح مضطربا ، ولم ير الصائد شيئا فأرسله فصاد شيئا فلا أحب أكله ، وكلامها هو محل التأويلين ; لأن ابن رشد حملها على ما إذا نوى المضطرب عليه فقط قال فإن نواه وغيره أكل لقول المدونة إن نوى جماعة وما وراءها مما لم يره أكل الجميع ، وحملها بعضهم على خلاف المدونة وبهذا تعلم أن التأويلين ليسا على إصلاح المصنف ; لأنهما ليسا على المدونة ، وإنما هما على قول العتبية لا أحب أكله هل هو على إطلاقه فيكون بين المدونة والعتبية خلاف أو هو مقيد فيكون بينهما وفاق ( قوله : أي المضطرب عليه ) أشار الشارح بهذا إلى أن قوله إلا أن ينوي المضطرب هو من باب الحذف والإيصال فنائب الفاعل ضمير مستتر لا محذوف .




الخدمات العلمية