الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وإن ) قال اختاري ( من تطليقتين فلا تقضي إلا بواحدة ) فإن قضت بأكثر لزمته الواحدة ( وبطل ) ما جعله لها من التخيير من أصله ( في ) التخيير ( المطلق ) والمراد به ما لم يقيد بعدد وإن قيد بغيره كاختاري نفسك أو إن فعلت كذا فاختاري نفسك ( إن قضت بدون الثلاث ) ولم يرض به ; لأنها عدلت عما جعله لها الشارع وهو الثلاث في التخيير المطلق ( كطلقي نفسك ثلاثا ) فقضت بأقل فيبطل ما بيدها وما قضت به لكن الراجح في هذا الفرع أنه يبطل ما قضت به فقط دون ما بيدها فلها الرجوع والقضاء بالثلاث ( ووقفت ) في التخيير المطلق أو التمليك المطلق ( إن اختارت ) نفسها على شرط كأن قيدت ( بدخوله على ضرتها ) بأن قالت إن دخلت على ضرتي فقد اخترت نفسي فتوقف حينئذ حتى تقضي ناجزا بفراق أو بقاء ولا التفات لشرطها فلا ينتظر دخوله على ضرتها لما فيه من البقاء على عصمة مشكوكة [ ص: 412 ] ( ورجع مالك ) رضي الله عنه عن قوله الأول في التخيير والتمليك المطلقين أي غير المقيدين بالزمان أو المكان وهو أنهما يبقيان بيدها بالمجلس بقدر ما يرى أنها تختار في مثله فإن تفرقا عنه أو خرجا عما كانا فيه إلى غيره وإن لم يتفرقا عنه سقط اختيارها ( إلى بقائهما ) أي التخيير والتمليك ( بيدها ) ولو تفرقا أو طال ( في ) التخيير أو التمليك ( المطلق ) يعني عن الزمان والمكان فهو غير المطلق السابق ( ما لم توقف ) عند حاكم ( أو توطأ ) أو تمكن من ذلك أو من الاستمتاع عالمة طائعة ثم شبه في المرجوع إليه قوله ( كمتى شئت ) بكسر التاء فأمرك بيدك فهو بيدها ما لم توقف أو تمكن من الاستمتاع طائعة اتفاقا ( وأخذ ابن القاسم بالسقوط ) أي سقوط خيارها بانقضاء المجلس أو الخروج عنه لكلام آخر وهو المرجوع عنه والراجح هو الذي أخذ به ابن القاسم بل رجع إليه الإمام ثانيا وبقي عليه حتى مات فالوجه الاقتصار عليه

التالي السابق


( قوله لزمته الواحدة ) أي وبطل الزائد ( قوله وبطل في المطلق إلخ ) يعني أنه إذا خيرها تخييرا مطلقا أي عاريا عن التقييد بعدد فأوقعت واحدة أو اثنتين فإن خيارها يبطل ويصير الزوج معها كما كان قبل القول لها على المشهور بشروط ثلاثة أن يكون تخييرها بعد الدخول بها وأن لا يرضى الزوج بما قضت به وأن لا يتقدم لها ما يتمم الثلاث فإن كان التخيير قبل الدخول وقضت بواحدة لزمت أو كان بعد الدخول ورضي بما قضت به أو تقدم لها ما يكمل الثلاث لزم ما قضت به .

( قوله وإن قيد بغيره ) أي هذا إذا لم يقيد أصلا بل ولو قيد بغير العدد فقوله كاختاري نفسك راجع لما قبل المبالغة وقوله أو إن فعلت كذا راجع لما بعدها ( قوله وإن قضت ) أي إذا كان خيرها بعد الدخول بها وأما إن كانت غير مدخول بها وقضت ولو بواحدة فإنها تلزمه وما ذكره المصنف من البطلان هو المشهور وقال أشهب لا يبطل ما بيدها من الاختيار إذا قضت بدون الثلاث بل لها أن تقضي بعد ذلك بالثلاث فالذي يبطل ما قضت به لا ما بيدها ( قوله ولم يرض به ) أي ولم يرض الزوج بما أوقعت وإلا لزم ما قضت به وإن كانت العلة وهي قوله ; لأنها عدلت إلخ غير ناهضة هنا ا هـ عدوي .

( قوله كطلقي نفسك ثلاثا ) أي كما يبطل ما بيدها ولا يلزم الزوج شيء حيث قال لها : طلقي نفسك ثلاثا فقضت بأقل وظاهره سواء كانت مدخولا بها أم لا ( قوله لكن الراجح ) أي كما في التوضيح ( قوله دون ما بيدها ) أي وحينئذ فطلقي نفسك ثلاثا مثل طلقي نفسك طلقتين في أنه يبطل قضاؤها بالأقل ولا يبطل ما بيدها من التخيير ( قوله ووقفت إلخ ) يعني أنه إذا خيرها بأن قال لها : اختاري نفسك أو ملكها بأن قال لها : أمرك بيدك فقالت : اخترت نفسي إن دخلت على ضرتي أو إن قدم فلان أو نحوه من كل محتمل غير غالب فإنها توقف لتختار حالا إما الطلاق أو البقاء ولا تمهل حتى يقدم زيد أو يدخل على ضرتها ولا يلتفت لشرطها بل يلغى على المشهور خلافا لسحنون ، وكل هذا ما لم يرض الزوج بما قضت به من التعليق فإن رضي بإمهالها لقدوم زيد أو للدخول على ضرتها انتظر تطلق عليه بمجرد حصول المعلق عليه كالقدوم والدخول عملا بالتعليق الواقع منها الذي قد أجازه وإن كان قد وطئها قبل دخوله على ضرتها كما في نص اللخمي ولا يتوقف الطلاق على خيارها .

( قوله ووقفت في التخيير المطلق إلخ ) أي وأما لو وكلها فطلقت نفسها إن دخل على ضرتها فلها ذلك ولا توقف رضي الزوج بذلك أم لا ا هـ عدوي ( قوله فتوقف حينئذ ) أي حين حصول الاختيار منها المعلق على شيء ولا ينظر لحصول المعلق عليه بالفعل ( قوله لما فيه من البقاء إلخ ) الصواب إسقاط هذه العلة إذ لو صحت لمنع التعليق من الزوج أيضا مع أنه غير ممنوع فيجوز أن يقول لها إن قدم زيد فاختاري نفسك أو ملكتك أمر نفسك وينتظر حصول المعلق عليه انظر بن وقد يقال هذا الاعتراض مدفوع لوجود الفرق بين تعليقها وتعليقه قال عبق والفرق بين صحة التعليق منه وعدم صحته منها مع عدم رضاه به من وجهين أحدهما أن الله جعل الطلاق بيده فاغتفر له التعليق الثاني أن تعليقها على نحو دخوله على ضرتها غير لازم لها إذ لها رفعه قبل وقوع المعلق عليه بحيث لا يقع عليه طلاق بدخوله بخلاف تعليق الرجل فلازم فتأمل .

[ ص: 412 ] قوله ورجع مالك إلخ ) حاصله أنه إذا ملكها تمليكا مطلقا بأن قال لها : ملكتك أمرك أو أمرك بيدك أو خيرها تخييرا مطلقا بأن قال لها : خيرتك في نفسك فالذي رجع إليه مالك أنهما يبقيان بيدها في المجلس وبعده ولو تفرقا عن المجلس الذي طالت إقامتهما به ما لم توقف عند حاكم أو توطأ أو تمكن منه طائعة بعد أن كان يقول أو لا يبقى ما جعله لها من التخيير والتمليك بيدها في المجلس الذي يمكن القضاء فيه فقط ، فإن تفرقا بعد إمكان القضاء فلا شيء لها وإن قام من المجلس حين ملكها يريد قطع ذلك عنها لم ينفعه واستمر خيارها ، وحد المجلس الذي يمكن فيه القضاء أن يقعد معها قدر ما يرى الناس أنها تختار في مثله ولم تقم فرارا فإذا قعدا بقدر ذلك ثم قاما من المجلس أو انتقلا من الكلام الذي كانا فيه لغيره ولم تقض سقط ما بيدها .

( قوله أي غير المقيدين ) أي فهو غير المطلق السابق ; لأنه العاري عن التقييد بالعدد ( قوله بقدر إلخ ) هذا تصوير للمجلس وقوله ما يرى أي يرى الناس ( قوله أو خرجا عما ) أي عن الكلام الذي كانا فيه ( قوله فهو غير المطلق السابق ) أي في قوله وبطل في المطلق ; لأنه بمعنى العاري عن التقييد بالعدد ( قوله ما لم توقف عند حاكم ) ، فإن أوقفت فإما أن تقضي بشيء أو تسقط ما بيدها على ما مر كما أنه يسقط ما بيدها إذ وطئت أو مكنت منه طائعة .

( قوله وأخذ ابن القاسم ) أي في المسألة الأولى ( قوله فالوجه الاقتصار عليه ) أي ; لأنه الراجح وبه العمل كما قال المتيطي خلافا لظاهر المصنف فإنه يقتضي أن الراجح القول الثاني المرجوع إليه ومحل هذا الخلاف ما لم تقل عند التمليك أو التخيير قبلت أمري أو رضيت بما جعلته لي ونحو ذلك مما يدل على أنها لم تترك ما بيدها ، فإن قالت ذلك بقي ما لم توقف أو توطأ قال ابن رشد اتفاقا انظر بن




الخدمات العلمية