وما أتى عن صاحب بحيث لا يقال رأيا حكمه الرفع على ما قال في المحصول نحو من أتى
فالحاكم الرفع لهذا أثبتا
وقال الحافظ أبو الفضل بن حجر في " شرح النخبة " : مثال المرفوع من القول حكما ما يقوله الصحابي مما لا مجال للاجتهاد فيه ، ولا تعلق له ببيان لغة أو شرح غريب ، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء ، أو الآتية كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة ، وكذا الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص ، قال : وإنما كان له حكم المرفوع ؛ لأن إخباره بذلك يقتضي مخبرا له ، وما لا مجال للاجتهاد فيه يقتضي موقفا للقائل به ، ولا موقف للصحابة إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان كذلك فله حكم ما لو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو مرفوع ، مثال المرفوع من الفعل حكما أن يفعل الصحابي ما لا مجال للاجتهاد فيه ، فينزل على أن ذلك عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال رضي [ ص: 218 ] الله عنه في صلاة الإمام الشافعي علي في الكسوف في كل ركعة أكثر من ركوعين . انتهى كلام شارح النخبة .
وقال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح : ما قاله الصحابي مما لا مجال للاجتهاد فيه فحكمه الرفع ، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق ، وقصص الأنبياء ، وعن الأمور الآتية كالملاحم ، والفتن ، والبعث ، وصفة الجنة والنار ، والإخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص ، فهذه الأشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع .
قال : قد يحكي الصحابي قولا يوقفه ، فيخرجه أهل الحديث في المسند لامتناع أن يكون الصحابي ما قاله إلا بتوقف ، كما روى أبو عمرو الداني أبو صالح السمان قال : نساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، لا يجدن عرف الجنة أبي هريرة الحديث ؛ لأن مثل هذا لا يقال بالرأي ، فيكون من جملة المسند . عن
قال الحافظ ابن حجر : وهذا هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة كصاحبي الصحيح ، ، والإمام الشافعي ، وأبي جعفر الطبري ، وأبي جعفر الطحاوي وأبي بكر بن مردويه في تفسيره المسند ، ، والبيهقي في آخرين ، قال : وقد حكى وابن عبد البر الإجماع على أنه مسند ، وبذلك جزم ابن عبد البر الحاكم في علوم الحديث ، والإمام فخر الدين في المحصول انتهى .
وعبارة المحصول : إذا قال الصحابي قولا لا مجال للاجتهاد فيه حمل على السماع ؛ لأنه إذا لم يكن من محل الاجتهاد فلا طريق إلا السماع من النبي صلى الله عليه وسلم ، انتهى .
وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في " شرح " : ما رواه المصنف الترمذي أن الدعاء موقوف بين السماء والأرض ، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك ، عمر بن الخطاب هو وإن كان موقوفا عليه ، فمثله لا يقال من قبل الرأي ، وإنما هو أمر توقيفي ، فحكمه حكم المرفوع كما صرح به جماعة من الأئمة وأهل الحديث والأصول ، فمن الأئمة عن رضي الله عنه ، ونص عليه في بعض كتبه كما نقل عنه ، ومن أهل الحديث الشافعي ، فأدخل في " كتاب التقصي " أحاديث من أقوال الصحابة ، مع أن موضوع كتابه للأحاديث المرفوعة ، من ذلك حديث أبو عمر بن عبد البر سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف ، وقال في " التمهيد " : هذا الحديث موقوف على سهل في " الموطأ " عند جماعة الرواة عن مالك ، ومثله لا يقال من جهة الرأي ، وكذلك فعل في كتابه في علوم [ ص: 219 ] الحديث ، فقال في النوع السادس من معرفة الحديث : معرفة المسانيد التي لا يذكر سندها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم روى فيه ثلاثة أحاديث : الحاكم أبو عبد الله
قول : ابن عباس كنا نتمضمض من اللبن ولا نتوضأ منه .
وقول : أنس كان يقال في أيام العشر : كل يوم ألف يوم ، ويوم عرفة عشرة آلاف يوم ، قال : يعني في الفضل .
وقول : عبد الله بن مسعود محمد صلى الله عليه وسلم . من أتى ساحرا أو عرافا فقد كفر بما أنزل على
قال : فهذا وأشباهه إذا قاله الصحابي فهو حديث مسند ، وكل ذلك مخرج في المسانيد .
ومن الأصوليين الإمام فخر الدين الرازي ، فقال في كتابه " المحصول " : إذا قال الصحابي قولا ليس للاجتهاد فيه مجال فهو محمول على السماع .
وقال عقب ذكره لقول القاضي أبو بكر بن العربي عمر : ومثل هذا إذا قاله عمر لا يكون إلا توقيفا ؛ لأنه لا يدرك بنظر ، انتهى .
هذا كله إذا صدر ذلك من الصحابي فيكون مرفوعا متصلا ، فإن صدر ذلك من التابعي فهو مرفوع مرسل ، كما ذكر ابن الصلاح ذلك في نظير المسألة ، وصرح في هذه المسألة بخصوصها ، فإنه أخرج في شعب الإيمان بسنده عن البيهقي أبي قلابة قال : في الجنة قصر لصوام رجب ، ثم قال : هذا القول عن أبي قلابة ، وهو من التابعين ، فمثله لا يقول ذلك إلا عن بلاغ ممن فوقه عمن يأتيه الوحي .
وأخرج أيضا في " شعب الإيمان " بسنده عن البيهقي أبي قلابة قال : ، ومن من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال حفظ من الجمعة إلى الجمعة ، وإن أدرك الدجال لم يضره ، وجاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر ، ومن قرأ يس غفر له ، ومن قرأها وهو جائع شبع ، ومن قرأها وهو ضال هدي ، ومن قرأها وله ضالة وجدها ، ومن قرأها عند طعام خاف قلته كفاه ، ومن قرأها عند ميت هون عليه ، ومن قرأها عند والدة عسر عليها ولدها يسر عليها ، ومن قرأها فكأنما قرأ القرآن إحدى عشرة مرة ، ولكل شيء قلب ، قرأ الكهف في يوم الجمعة . وقلب القرآن يس
ثم قال عقبه : هكذا نقل إلينا عن أبي قلابة ، وهو من كبار التابعين ، ولا نقول ذلك إن صح عنه إلا بلاغا .
وروى في " الموطأ " عن الإمام مالك يحيى بن سعيد أنه كان يقول : . إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته وقتها ، ولما فاته من وقتها أعظم أو أفضل من أهله وماله
قال : هذا له حكم المرفوع ؛ إذ يستحيل أن يكون مثله رأيا ، ابن عبد البر ويحيى بن سعيد من صغار التابعين ، وروى مالك في الموطأ أيضا عن أنه كان يقول : [ ص: 220 ] سعيد بن المسيب . من صلى بأرض فلاة صلى عن يمينه ملك وعن شماله ملك ، فإن أذن وأقام صلى وراءه من الملائكة أمثال الجبال
قال بعضهم : هذا لا يقال بالرأي فهو مرفوع .
وهذا استدل به السبكي في " الحلبيات " على حصول فضيلة الجماعة بذلك ، وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال : - أورده صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء ، فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد الحافظ ابن حجر في " شرح " في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم : " البخاري " وقال : مثله لا يقال بالرأي ، فالمصير إليه أولى ، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة وعكرمة تابعي ، وهذا الأثر الذي نحن فيه من ذلك ، فإنه من أحوال البرزخ التي لا مدخل للرأي والاجتهاد فيها ، ولا طريق إلى معرفتها إلا بالتوقيف والبلاغ عمن يأتيه الوحي ، وقد قال ذلك عبيد بن عمير وطاوس ، وهما من كبار التابعين ، فيكون حكمه حكم الحديث المرفوع المرسل ، وإن ثبتت صحبة فحكمه حكم المرفوع المتصل . عبيد بن عمير
قال في " التمهيد " في شرح حديث فتنة القبر وسؤاله : أحكام الآخرة لا مدخل فيها للقياس ، والاجتهاد ، ولا للنظر والاحتجاج ، والله يفعل ما يشاء لا شريك له . ابن عبد البر
وقال القرطبي في " التذكرة " : هذا الباب ليس فيه مدخل للقياس ، ولا مجال للنظر فيه ، وإنما فيه التسليم والانقياد لقول الصادق المرسل إلى العباد ، انتهى .
ويؤيد ما ذكرناه أن هذه الأمور إذا صدرت من التابعين تحمل على الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - ما أخرجه بسنده ، عن ابن أبي الدنيا أبي جعفر محمد بن علي قال : كان علي بن حسين يذكر أن العبد إذا احتمل إلى قبره نادى حملته إذا بشر بالنار فيقول : يا إخوتاه ، ما علمتم ما عاينت بعدكم ، إن أخاكم بشر بالنار ، فيا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله ، أنشد بالله كل ولد أو جار أو صديق أو أخ إلا احتبسني عن قبري ، فإنه ليس بين صاحبكم وبين النار إلا أن تواروه في التراب ، والملائكة ينادون : امض عدو الله ، فإذا دنا من حفرته يقول : ما لي من شفيع مطاع ولا صديق حميم ، ثم إذا أدخل القبر ضرب ضربة تذعر لها كل دابة غير الجن والإنس .
وأما ولي الله إذا احتمل إلى قبره وبشر بالجنة نادى حملته : يا إخوتاه ، أما علمتم أني بشرت بعدكم بالرضا من الله ، والجنة والنجاة من سخط الله والنار ، فعجلوا بي إلى حفرتي ف ( ياليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) ، والملائكة ينادون : امض ولي الله إلى رب كريم يثيب بالشيء اليسير العظيم [ ص: 221 ] الجزيل ، اللهم اجعلها غدوة أو روحة إلى الجنة ، فإذا أدخل القبر تلقي بحزمة من ريحان الجنة ، يجد ريحها كل ذي ريح غير الإنس والجن .
قال أبو جعفر : كان علي بن حسين إذا ذكر أشباه هذا الحديث بكى ثم يقول : إني لأخاف الله أن أكتمه ، ولئن أظهرته ليدخلن علي أذى من الفسقة ، وذلك أن علي بن حسين ذكر حديث الذي ينادي حملته ، فقال ضمرة بن معبد - رجل من بني زهرة - والله يا علي بن حسين لو أن الميت يفعل كما زعمت بمناشدتك حملته إذا لوثب عن أيدي الرجل من سريره ، فضحك أناس من الفسقة ، وغضب علي بن حسين وقال : اللهم إن ضمرة كذب بما جاء به محمد رسولك ، فخذه أخذ أسف ، فما لبث ضمرة إلا أربعين ليلة حتى مات فجأة .
قال أبو جعفر : فأشهد على مسلم بن شعيب مولاه - وكان ما علمناه خيارا - أنه أتى علي بن حسين ليلا فقال : أشهد أني سمعت ضمرة أعرفه كما كنت أعرف صوته حيا وهو ينادي في قبره : ويل طويل لضمرة إلا أن يتبرأ منك كل خليل ، وحللت في نار الجحيم فيها مبيتك والمقيل ، فقال علي بن حسين : نسأل الله العافية ، هذا جزاء من ضحك وأضحك الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فانظر كيف ذكر علي بن حسين الحديث أولا من غير تصريح بعزوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، اتكالا على علم ذلك ؛ لأنه ليس مما يقال من قبل الرأي ، وإنما معتمده التوقيف والسماع ، ثم لما وقعت هذه القصة صرح بأنه حديث جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبالجملة فالحكم على مثل هذا بالرفع من الأمور التي أجمع عليها أهل الحديث .