بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة : سئل شيخنا العلامة محيي الدين الكافيجي في سنة أربع وسبعين وثمانمائة عن قول القائل : فإن ثم من قال بجوازه فوافقه الشيخ على جوازه ، بل وزاد ترجيحه ، وألف في المسألة مؤلفا قال فيه ما ملخصه : إنه وصف سببي لله محول ، أصله " أكمل حمده " ، فحول بالإضافة وإنه نظير قولك : مررت بالرجل قائم الأب ، فإن أصله قبل التحويل : مررت برجل قائم أبوه ، فحول إلى ما ترى ، فاستتر الضمير في اسم الفاعل ، وأضيف إلى الأب ، وقولك : مررت بالرجل حسن الوجه ، فإن أصله مررت برجل حسن وجهه ، وعلل ترجيحه بأنه لا يحتاج إلى إضمار ، والنصب يحتاج إلى إضمار ، هذا حاصل ما ذكره الشيخ . وأقول : المتعين في هذا التركيب النصب ، ولا يجوز الجر ، ووجهه أنه نائب مناب المصدر المحذوف الذي هو في الأصل وصف له ، تقديره : حمدا أكمل الحمد . قال النحاة في باب المفعول المطلق ، ومنهم الحمد لله أكمل الحمد . هل أكمل متعين النصب أو يجوز الجر ؟ ابن مالك في " شرح الكافية " وابن هشام في التوضيح : يقوم مقام المصدر وصفه مضافا إليه ، كسرت أحسن السير ، ومثل غيرهما بقولك : ضربته أشد الضرب ، ومثله في " شرح التسهيل " بقول ليلى الأخيلية :
نظرت ودوني من عماية منكب وبطن رداء أي نظرة ناظر
وبقول الآخر : وضائع أي جرى ما أردت به . ونظيره قوله تعالى : ( فلا تميلوا كل الميل ) فهذه الأمثلة كلها منصوبة على النيابة عن المصدر والمثال مثلها . وعلم من ذلك دفع محذورين واردين ، أحدهما : الإضمار الذي فر منه الشيخ ، فإنه إذا كان على وجه النيابة لا إضمار بل يكون المصدر محذوفا ، وهذا قائم مقامه نيابة عنه ، والثاني أنه قد يقال : إن المصدر المقدر نكرة ، فكيف يوصف بالمعرف بالإضافة وقد علم أنه لا تقدير ولا إضمار ، وإنما حذف أصلا ، وأقيم مقامه وصفه مضافا إليه للبيان ، وكان أصله : الحمد لله حمدا كمل - بلا إضافة هذا توجيه النصب ، وأما امتناع الجر فيكاد يكون بديهيا لا يقام عليه دليل ، فإن أكمل صفة للحمد قطعا لا لله . أما أولا فلأن أوصافه تعالى توقيفية ولم [ ص: 337 ] يرد هذا الوصف فيها . وأما ثانيا فلأن الأصل عدم إطلاق " أفعل " التفضيل في حق الله إلا ما ورد مثل أكبر وأحسن الخالقين لما يشعر بالمشاركة . وأما ثالثا فلأن المقصود وصف الحمد المثبت لله بالأكملية والبلوغ نهاية التمام لا وصف الله بذلك . وأما رابعا فلأن العلماء عبروا بما يدل على أنه وصف للحمد لا لله ، ألا ترى إلى قول النووي في " المنهاج " : أحمده أبلغ حمد وأكمله وأزكاه وأشمله -فأتى بالجميع صفات للحمد ومصادر له . وقول الشيخ : أنه نظير قولك : مررت بالرجل قائم الأب -مخالف لقواعد العربية من أربعة أوجه ; الأول : أن هذا التركيب فاسد لا يقول أحد بصحته ; لأن " الرجل " معرفة ، " وقائم الأب " نكرة ، فإن إضافته لفظية لا تفيد التعريف ، فلا يصح وصف الرجل به ، وإنما توصف به النكرة ، كقوله تعالى : ( هديا بالغ الكعبة ) وإنما يستقيم أن يقال مثلا برجل قائم الأب ، وحينئذ تستحيل المسألة ، وكذا مررت بالرجل حسن الوجه .
الثاني : ما قاله من التحويل والإضافة إلى المرفوع لا يجوز في اسم الفاعل إجماعا بل هو من خواص الصفة المشبهة ، وألحق بها في ذلك اسم المفعول ، نص عليه ابن مالك في كتبه ، وقال في " الألفية " : وقد يضاف ذا - أي اسم المفعول- إلى اسم مرتفع معنى كمحمود المقاصد الورع . وقال في " شرح الكافية " : تفرد اسم المفعول بجواز إضافته إلى ما هو مرفوع معنى ، نحو : زيد يكسو العبد ومحمود المقاصد . وقال أبو حيان في " شرح التسهيل " : انفرد اسم المفعول بجواز إضافته إلى مرفوع بخلاف اسم الفاعل ، فإنه لا يجوز إضافته إلى فاعله ، لا تقول في : مررت برجل ضارب أبوه زيدا برجل ضارب أبيه زيدا . قال : الصحيح أنها أيضا في اسم المفعول إضافة من منصوب لا من مرفوع . الثالث : أن قوله : أصله أكمل حمده- يؤدي إلى استعمال " أكمل " مقطوعا عن الإضافة ، ومن وهو أمر لا يعرف في أفعل التفضيل . الرابع : أن قوله أن الأصل : أكمل حمده ، وأن الحمد فاعل ، وأنه حول عن الفاعلية ثم أضيف إليه ، فاستتر الضمير -غفلة عظيمة عن قواعد العربية ، فإن أفعل التفضيل لا يرفع الظاهر أصلا إلا في مسألة الكحل ، وهذا المثال ليس من ضابطها بالإجماع ، فبطل هذا القول بلا نزاع ، والله أعلم .