( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )
ثم قال تعالى : ( أفحكم الجاهلية يبغون ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ابن عامر ( تبغون ) بالتاء على الخطاب ، والباقون بالياء على المغايبة ، وقرأ قرأ السلمي ( أفحكم الجاهلية ) برفع الحكم على الابتداء ، وإيقاع " يبغون " خبرا وإسقاط الراجع عنه لظهوره ، وقرأ قتادة : " أبحكم الجاهلية " والمراد أن هذا الحكم الذي يبغونه إنما يحكم به حكام الجاهلية ، فأرادوا بشهيتهم أن يكون محمد خاتم النبيين حكما كأولئك الحكام .
المسألة الثانية : في الآية وجهان :
الأول : مقاتل : كانت بين قريظة والنضير دماء قبل أن يبعث الله محمدا عليه الصلاة والسلام ، فلما بعث تحاكموا إليه ، فقالت بنو قريظة : بنو النضير إخواننا ، أبونا واحد ، وديننا واحد ، وكتابنا واحد ، فإن قتل بنو النضير منا قتيلا أعطونا سبعين وسقا من تمر ، وإن قتلنا منهم واحدا أخذوا منا مائة وأربعين وسقا من تمر ، وأروش جراحاتنا على النصف من جراحاتهم ، فاقض بيننا وبينهم ، فقال عليه السلام : فإني أحكم أن دم القرظي وفاء من دم النضري ، ودم النضري وفاء من دم القرظي ، ليس لأحدهما فضل على الآخر في دم ولا عقل ، ولا جراحة ، فغضب بنو النضير ، وقالوا : لا نرضى بحكمك فإنك عدو لنا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ( أفحكم الجاهلية يبغون ) يعني حكمهم الأول . قال
وقيل : إنهم كانوا إذا وجب الحكم على ضعفائهم ألزموهم إياه ، وإذا وجب على أقويائهم لم يأخذوهم به ، فمنعهم الله تعالى منه بهذه الآية .
الثاني : أن المراد بهذه الآية أن يكون تعييرا لليهود بأنهم أهل كتاب وعلم مع أنهم يبغون حكم الجاهلية التي هي محض الجهل وصريح الهوى .
ثم قال تعالى : ( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) اللام في قوله : ( لقوم يوقنون ) للبيان كاللام في ( هيت لك ) أي هذا الخطاب وهذا الاستفهام لقوم يوقنون ، فإنهم هم الذين يعرفون أنه لا أحد أعدل من الله حكما ، ولا أحسن منه بيانا .