الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : أنه تعالى ذكر تحريم الصيد على المحرم في ثلاثة مواضع من هذه السورة ، من قوله : ( غير محلي الصيد وأنتم حرم ) إلى قوله : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) ومن قوله : ( لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) إلى قوله : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : صيد البحر هو الذي لا يعيش إلا في الماء ، أما الذي لا يعيش إلا في البر والذي يمكنه أن يعيش في البر تارة وفي البحر أخرى ، فذاك كله صيد البر ، فعلى هذا السلحفاة والسرطان والضفدع وطير الماء ، كل ذلك من صيد البر ، ويجب على قاتله الجزاء .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : اتفق المسلمون على أن المحرم يحرم عليه الصيد ، واختلفوا في الصيد الذي يصيده الحلال هل يحل للمحرم ؟ فيه أربعة أقوال ، الأول : وهو قول علي وابن عباس وابن عمر وسعيد بن جبير وطاوس ، وذكره الثوري وإسحاق ؛ أنه يحرم عليه بكل حال ، وعولوا فيه على قوله : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) وذلك لأن صيد البر يدخل فيه ما اصطاده المحرم وما اصطاده الحلال ، وكل ذلك صيد البر ، وروى أبو داود في سننه عن حميد الطويل عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن أبيه قال : كان الحارث خليفة عثمان على الطائف فصنع لعثمان طعاما ، وصنع فيه الحجل واليعاقيب ولحوم الوحش ، فبعث إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فجاءه الرسول فجاء ، فقالوا له : كل ، فقال علي : أطعمونا قوتا حلالا فإنا حرم ، ثم قال علي عليه السلام : أنشد الله من كان هاهنا من أشجع ، أتعلمون أن رسول الله أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله ؟ فقالوا : نعم .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثاني : أن لحم الصيد مباح للمحرم بشرط أن لا يصطاده المحرم ولا يصطاد له ، وهو قول الشافعي رحمه الله ، والحجة فيه ما روى أبو داود في سننه عن جابر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثالث : أنه إذا صيد للمحرم بغير إعانته وإشارته حل له ، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ، روي عن أبي قتادة أنه اصطاد حمار وحش وهو حلال في أصحاب محرمين له ، فسألوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنه فقال : هل أشرتم ، هل أعنتم ؟ فقالوا : لا . فقال : هل بقي من لحمه شيء ؟ أوجب الإباحة عند عدم الإشارة والإعانة من غير تفصيل .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 83 ] واعلم أن هذين القولين مفرعان على تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني في غاية الضعف .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) والمقصود منه التهديد ليكون المرء مواظبا على الطاعة محترزا عن المعصية .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية