الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( تحبسونهما من بعد الصلاة ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : تحبسونهما ، أي توقفونهما كما يقول الرجل : مر بي فلان على فرس فحبس علي دابته ؛ أي أوقفها ، وحبست الرجل في الطريق أكلمه ؛ أي أوقفته .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : ما موقع ( تحبسونهما ) ؟

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : هو استئناف ، كأنه : قيل كيف نعمل إن حصلت الريبة فيهما ؟ فقيل : تحبسونهما .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قوله : ( من بعد الصلاة ) فيه أقوال ، الأول : قال ابن عباس : من بعد صلاة أهل دينهما .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : قال عامة المفسرين : من بعد صلاة العصر .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : كيف عرف أن المراد هو صلاة العصر ، مع أن المذكور هو الصلاة المطلقة ؟

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : إنما عرف هذا التعيين بوجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن هذا الوقت كان معروفا عندهم بالتحليف بعدها ، فالتقييد بالمعروف المشهور أغنى عن التقييد باللفظ .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : ما روي أنه لما نزلت هذه الآية صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر ، ودعا بعدي وتميم ، فاستحلفهما عند المنبر ، فصار فعل الرسول دليلا على التقييد .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن جميع أهل الأديان يعظمون هذا الوقت ويذكرون الله فيه ويحترزون عن الحلف الكاذب ، وأهل الكتاب يصلون لطلوع الشمس وغروبها .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثالث : قال الحسن : المراد بعد الظهر أو بعد العصر ؛ لأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 98 ] والقول الرابع : أن المراد بعد أداء الصلاة أي صلاة كانت والغرض من التحليف بعد إقامة الصلاة هو أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، فكان احتراز الحالف عن الكذب في ذلك الوقت أتم وأكمل ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قال الشافعي رحمه الله : الأيمان تغلظ في الدماء والطلاق والعتاق ، والمال إذا بلغ مائتي درهم ، في الزمان والمكان ، فيحلف بعد العصر بمكة بين الركن والمقام ، وبالمدينة عند المنبر ، وفي بيت المقدس عند الصخرة ، وفي سائر البلدان في أشرف المساجد . وقال أبو حنيفة رحمه الله : يحلف من غير أن يختص الحلف بزمان أو مكان ، وهذا على خلاف الآية ، ولأن المقصود منه التهويل والتعظيم ، ولا شك أن الذي ذكره الشافعي رضي الله عنه أقوى .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية