الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 74 ] ثم قال تعالى : ( ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ عاصم وحمزة والكسائي ( فجزاء ) بالتنوين و (مثل) بالرفع ; والمعنى فعليه جزاء مماثل للمقتول من الصيد ، فمثل مرفوع لأنه صفة لقوله : ( فجزاء ) قال : ولا ينبغي إضافة جزاء إلى المثل ، ألا ترى أنه ليس عليه جزاء مثل ما قتل في الحقيقة ، إنما عليه جزاء المقتول لا جزاء مثل المقتول الذي لم يقتله ، وقوله تعالى : ( من النعم ) يجوز أن يكون صفة للنكرة التي هي جزاء ; والمعنى فجزاء من النعم مثل ما قتل ، وأما سائر القراء فهم قرأوا ( فجزاء مثل ) على إضافة الجزاء إلى المثل وقالوا : إنه وإن كان الواجب عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله فإنهم يقولون : أنا أكرم مثلك ، يريدون أنا أكرمك ، ونظيره قوله : ( ليس كمثله شيء ) [الشورى : 11] والتقدير : ليس هو كشيء ، وقال : ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ) [الأنعام : 122] والتقدير : كمن هو في الظلمات وفيه وجه آخر وهو أن يكون المعنى فجزاء مثل ما قتل من النعم كقولك : خاتم فضة ؛ أي خاتم من فضة .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال سعيد بن جبير : المحرم إذا قتل الصيد خطأ لا يلزمه شيء ، وهو قول داود ، وقال جمهور الفقهاء : يلزمه الضمان سواء قتل عمدا أو خطأ ، حجة داود أن قوله تعالى : ( ومن قتله منكم متعمدا ) مذكور في معرض الشرط ، وعند عدم الشرط يلزم عدم المشروط ، فوجب أن لا يجب الجزاء عند فقدان العمدية ، قال : والذي يؤكد هذا أنه تعالى قال في آخر الآية : ( ومن عاد فينتقم الله منه ) والانتقام إنما يكون في العمد دون الخطأ ، وقوله : ( ومن عاد ) المراد منه ومن عاد إلى ما تقدم ذكره ، وهذا يقتضي أن الذي تقدم ذكره من القتل الموجب للجزاء هو العمد لا الخطأ ، وحجة الجمهور قوله تعالى : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) ولما كان ذلك حراما بالإحرام صار فعله محظورا بالإحرام فلا يسقط حكمه بالخطأ والجهل ، كما في حلق الرأس وكما في ضمان مال المسلم ، فإنه لما ثبتت الحرمة لحق المالك لم يتبدل ذلك بكونه خطأ أو عمدا فكذا هاهنا ، وأيضا يحتجون بقوله عليه السلام : في الضبع كبش إذا قتله المحرم ، وقول الصحابة : في الظبي شاة ، وليس فيه ذكر العمد .

                                                                                                                                                                                                                                            أجاب داود بأن نص القرآن خير من خبر الواحد وقول الصحابي والقياس .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية