الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قال ابن عباس : يريد : يحكم في جزاء الصيد رجلان صالحان ذوا عدل ، منكم ؛ أي من أهل ملتكم ودينكم فقيهان عدلان ، فينظران إلى أشبه الأشياء به من النعم فيحكمان به ، واحتج به من نصر قول أبي حنيفة رحمه الله في إيجاب القيمة ، فقال : التقويم هو المحتاج إلى النظر والاجتهاد ، وأما الخلقة والصورة فظاهرة مشاهدة لا يحتاج فيها إلى الاجتهاد .

                                                                                                                                                                                                                                            وجوابه : أن وجوه المشابهة بين النعم وبين الصيد مختلفة وكثيرة ، فلا بد من الاجتهاد في تمييز الأقوى من الأضعف ، والذي يدل على صحة ما ذكرنا أنه قال ميمون بن مهران : جاء أعرابي إلى أبي بكر رضي الله عنه ، فقال : إني أصبت من الصيد كذا وكذا ، فسأل أبو بكر رضي الله عنه أبي بن كعب ، فقال الأعرابي : أتيتك أسألك ، وأنت تسأل غيرك ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : وما أنكرت من ذلك ؟ قال الله تعالى : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) فشاورت صاحبي ، فإذا اتفقنا على شيء أمرناك به . وعن قبيصة بن جابر أنه حين كان محرما ضرب ظبيا فمات ، فسأل عمر بن الخطاب رضي لله عنه وكان بجنبه عبد الرحمن بن عوف ، فقال عمر لعبد الرحمن : ما ترى ؟ قال : عليه شاة ، قال : وأنا أرى ذلك ، فقال : اذهب فاهد شاة . قال قبيصة : فخرجت إلى صاحبي وقلت له : إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول حتى سأل غيره . قال : ففجأني عمر وعلاني بالدرة ، وقال : أتقتل في الحرم وتسفه الحكم ؟ قال الله تعالى : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) فأنا عمر وهذا عبد الرحمن بن عوف .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال الشافعي رحمه الله : الذي له مثل ضربان ، فما حكمت فيه الصحابة بحكم لا يعدل عنه إلى غيره ؛ لأنهم شاهدوا التنزيل وحضروا التأويل ، وما لم يحكم فيه الصحابة يرجع فيه إلى اجتهاد عدلين ، فينظر إلى الأجناس الثلاثة من الأنعام ، فكل ما كان أقرب شبها به يوجبانه ، وقال مالك : يجب التحكيم فيما حكمت به الصحابة وفيما لم تحكم به . حجة الشافعي رحمه الله : الآية دلت على أنه يجب أن يحكم به ذوا عدل ، فإذا حكم به اثنان من الصحابة ، فقد دخل تحت الآية ، ثم ذاك أولى لما ذكرنا أنهم شاهدوا التنزيل وحضروا التأويل .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قال الشافعي رحمه الله : يجوز أن يكون القاتل أحد العدلين إذا كان أخطأ فيه ، فإن تعمد لا يجوز لأنه يفسق به ، وقال مالك : لا يجوز كما في تقويم المتلفات . حجة الشافعي رحمه الله أنه تعالى أوجب أن يحكم به ذوا عدل ، وإذا صدر عنه القتل خطأ كان عدلا ، فإذا حكم به هو وغيره فقد حكم به ذوا عدل ، وأيضا روي أن بعض الصحابة أوطأ فرسه ظبيا ، فسأل عمر عنه ، فقال عمر : احكم ، فقال : أنت عدل يا أمير المؤمنين فاحكم ، فقال عمر رضي الله عنه : إنما أمرتك أن تحكم وما أمرتك أن تزكيني ، فقال : أرى فيه جديا جمع الماء والشجر ، فقال : افعل ما ترى . وعلى هذا التقدير قال أصحابنا : يجوز أن يكونا قاتلين .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية