ثم قال تعالى : ( عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في الآية وجهان :
الأول : عفا الله عما مضى في الجاهلية وعما سلف قبل التحريم في الإسلام .
القول الثاني : وهو قول من لا يوجب الجزاء إلا في المرة الأولى ، أما في المرة الثانية فإنه لا يوجب الجزاء عليه ويقول : إنه أعظم من أن يكفره التصدق بالجزاء ، فعلى هذا ، المراد : عفا الله عما سلف في المرة الأولى بسبب أداء الجزاء ، ومن عاد إليه مرة ثانية فلا كفارة لجرمه بل ينتقم الله منه ، وحجة هذا القول أن [ ص: 81 ] الفاء في قوله : ( فينتقم الله منه ) فاء الجزاء ، والجزاء هو الكافي ، فهذا يقتضي أن هذا الانتقام كاف في هذا الذنب ، وكونه كافيا يمنع من وجوب شيء آخر ، وذلك يقتضي أن لا يجب الجزاء عليه .
المسألة الثانية : قال في سيبويه ومن عاد فينتقم الله منه ) وفي قوله : ( قوله : ( ومن كفر فأمتعه قليلا ) [البقرة : 126] وفي قوله : ( فمن يؤمن بربه فلا يخاف ) [الجن : 13] إن في هذه الآيات إضمارا مقدرا ، والتقدير : ومن عاد فهو ينتقم الله منه ، ومن كفر فأنا أمتعه ، ومن يؤمن بربه فهو لا يخاف ، وبالجملة فلا بد من إضمار مبتدأ يصير ذلك الفعل خبرا عنه ، والدليل عليه : أن الفعل يصير بنفسه جزاء ، فلا حاجة إلى إدخال حرف الجزاء عليه فيصير إدخال حرف الفاء على الفعل لغوا ، أما إذا أضمرنا المبتدأ احتجنا إلى إدخال حرف الفاء عليه ليرتبط بالشرط فلا تصير الفاء لغوا ، والله أعلم .