(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين )
واعلم أن هذا الكلام من تمام القصة الأولى فبين الله تعالى أنه أخذهم أولا بالبأساء والضراء لكي لا يتضرعوا ، ثم بين في هذه الآية أنهم لما نسوا ما ذكروا به من البأساء والضراء فتحنا عليهم أبواب كل شيء ، ونقلناهم من البأساء والضراء إلى الراحة والرخاء وأنواع الآلاء والنعماء ، والمقصود أنه تعالى عاملهم بتسليط المكاره والشدائد عليهم تارة فلم ينتفعوا به ، فنقلهم من تلك الحالة إلى ضدها وهو فتح أبواب الخيرات عليهم وتسهيل موجبات المسرات والسعادات لديهم فلم ينتفعوا به أيضا ، وهذا كما يفعله الأب المشفق بولده يخاشنه تارة ويلاطفه أخرى طلبا لصلاحه . حتى إذا فرحوا بما أوتوا من الخير والنعم ، لم يزيدوا على الفرح والبطر من غير انتداب لشكر ولا إقدام على اعتذار وتوبة ، فلا جرم أخذناهم بغتة .
واعلم أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) معناه فتحنا عليهم أبواب كل شيء كان مغلقا عنهم من الخير (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44حتى إذا فرحوا ) أي حتى إذا ظنوا أن الذي نزل بهم من البأساء ما كان على سبيل الانتقام من الله ، ولما فتح الله عليهم أبواب الخيرات ظنوا أن ذلك باستحقاقهم ، فعند ذلك ظهر أن قلوبهم قست وماتت ، وأنه لا يرجى لها انتباه بطريق من الطرق ، لا جرم فاجأهم الله بالعذاب من حيث لا يشعرون قال
الحسن : في هذه الآية مكر بالقوم ورب
الكعبة ، وقال صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012621nindex.php?page=treesubj&link=30550إذا رأيت الله يعطي على المعاصي فإن ذلك استدراج من الله تعالى ثم قرأ هذه الآية . قال أهل المعاني : وإنما أخذوا في حال الرخاء والراحة ليكون أشد لتحسرهم على ما فاتهم من حال السلامة والعافية وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فإذا هم مبلسون ) أي آيسون من كل خير . قال
[ ص: 187 ] الفراء : المبلس الذي انقطع رجاؤه ، ولذلك قيل للذي سكت عند انقطاع حجته قد أبلس . وقال
الزجاج : المبلس الشديد الحسرة الحزين ، والإبلاس في اللغة يكون بمعنى اليأس من النجاة عند ورود الهلكة ، ويكون بمعنى انقطاع الحجة ، ويكون بمعنى الحيرة بما يرد على النفس من البلية . وهذه المعاني متقاربة .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فقطع دابر القوم الذين ظلموا ) الدابر التابع للشيء من خلفه كالولد للوالد يقال : دبر فلان القوم يدبرهم دبورا ودبرا إذا كان آخرهم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12467أمية بن أبي الصلت :
فاستؤصلوا بعذاب حص دابرهم فما استطاعوا له صرفا ولا انتصروا
وقال
أبو عبيدة : دابر القوم آخرهم الذي يدبرهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي الدابر الأصل يقال قطع الله دابره أي أذهب الله أصله . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45والحمد لله رب العالمين ) فيه وجوه :
الأول : معناه أنه تعالى حمد نفسه على أن قطع دابرهم واستأصل شأفتهم ؛ لأن ذلك كان جاريا مجرى النعمة العظيمة على أولئك الرسل في إزالة شرهم عن أولئك الأنبياء .
والثاني : أنه تعالى لما علم قسوة قلوبهم لزم أن يقال : إنه كلما ازدادت مدة حياتهم ازدادت أنواع كفرهم ومعاصيهم ، فكانوا يستوجبون به مزيد العقاب والعذاب . فكان إفناؤهم وإماتتهم في تلك الحالة موجبا أن يصيروا مستوجبين لتلك الزيادات من العقاب . فكان ذلك جاريا مجرى الإنعام عليهم .
والثالث : أن يكون هذا الحمد والثناء إنما حصل على وجود إنعام الله عليهم في أن كلفهم وأزال العذر والعلة عنهم ودبرهم بكل الوجوه الممكنة في التدبير الحسن ، وذلك بأن أخذهم أولا بالبأساء والضراء ، ثم نقلهم إلى الآلاء والنعماء ، وأمهلهم وبعث الأنبياء والرسل إليهم ، فلما لم يزدادوا إلا انهماكا في الغي والكفر ، أفناهم الله وطهر وجه الأرض من شرهم ، فكان قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45والحمد لله رب العالمين ) على تلك النعم الكثيرة المتقدمة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ تَمَامِ الْقِصَّةِ الْأُولَى فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَخَذَهُمْ أَوَّلًا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لِكَيْ لَا يَتَضَرَّعُوا ، ثُمَّ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ لَمَّا نَسُوا مَا ذِكِّرُوا بِهِ مِنَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَنَقَلْنَاهُمْ مِنَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ إِلَى الرَّاحَةِ وَالرَّخَاءِ وَأَنْوَاعِ الْآلَاءِ وَالنَّعْمَاءِ ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ تَعَالَى عَامَلَهُمْ بِتَسْلِيطِ الْمَكَارِهِ وَالشَّدَائِدِ عَلَيْهِمْ تَارَةً فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ ، فَنَقَلَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ إِلَى ضِدِّهَا وَهُوَ فَتْحُ أَبْوَابِ الْخَيْرَاتِ عَلَيْهِمْ وَتَسْهِيلُ مُوجِبَاتِ الْمَسَرَّاتِ وَالسَّعَادَاتِ لَدَيْهِمْ فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ أَيْضًا ، وَهَذَا كَمَا يَفْعَلُهُ الْأَبُ الْمُشْفِقُ بِوَلَدِهِ يُخَاشِنُهُ تَارَةً وَيُلَاطِفُهُ أُخْرَى طَلَبًا لِصَلَاحِهِ . حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنَ الْخَيْرِ وَالنِّعَمِ ، لَمْ يَزِيدُوا عَلَى الْفَرَحِ وَالْبَطَرِ مِنْ غَيْرِ انْتِدَابٍ لِشُكْرٍ وَلَا إِقْدَامٍ عَلَى اعْتِذَارٍ وَتَوْبَةٍ ، فَلَا جَرَمَ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً .
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) مَعْنَاهُ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ كَانَ مُغْلَقًا عَنْهُمْ مِنَ الْخَيْرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44حَتَّى إِذَا فَرِحُوا ) أَيْ حَتَّى إِذَا ظَنُّوا أَنَّ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْبَأْسَاءِ مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِانْتِقَامِ مِنَ اللَّهِ ، وَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ الْخَيْرَاتِ ظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ قُلُوبَهُمْ قَسَتْ وَمَاتَتْ ، وَأَنَّهُ لَا يُرْجَى لَهَا انْتِبَاهٌ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ ، لَا جَرَمَ فَاجَأَهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ قَالَ
الْحَسَنُ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَكْرٌ بِالْقَوْمِ وَرَبِّ
الْكَعْبَةِ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012621nindex.php?page=treesubj&link=30550إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي عَلَى الْمَعَاصِي فَإِنَّ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ . قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي : وَإِنَّمَا أُخِذُوا فِي حَالِ الرَّخَاءِ وَالرَّاحَةِ لِيَكُونَ أَشَدَّ لِتَحَسُّرِهِمْ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ حَالِ السَّلَامَةِ وَالْعَافِيَةِ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ) أَيْ آيِسُونَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ . قَالَ
[ ص: 187 ] الْفَرَّاءُ : الْمُبْلِسُ الَّذِي انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلَّذِي سَكَتَ عِنْدَ انْقِطَاعِ حُجَّتِهِ قَدْ أَبْلَسَ . وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : الْمُبْلِسُ الشَّدِيدُ الْحَسْرَةِ الْحَزِينُ ، وَالْإِبْلَاسُ فِي اللُّغَةِ يَكُونُ بِمَعْنَى الْيَأْسِ مِنَ النَّجَاةِ عِنْدَ وُرُودِ الْهَلَكَةِ ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى انْقِطَاعِ الْحُجَّةِ ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْحَيْرَةِ بِمَا يَرِدُ عَلَى النَّفْسِ مِنَ الْبَلِيَّةِ . وَهَذِهِ الْمَعَانِي مُتَقَارِبَةٌ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) الدَّابِرُ التَّابِعُ لِلشَّيْءِ مِنْ خَلْفِهِ كَالْوَلَدِ لِلْوَالِدِ يُقَالُ : دَبَرَ فُلَانٌ الْقَوْمَ يَدْبُرُهُمْ دُبُورًا وَدَبَرًا إِذَا كَانَ آخِرَهُمْ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12467أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ :
فَاسْتُؤْصِلُوا بِعَذَابٍ حَصَّ دَابِرَهُمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ صَرْفًا وَلَا انْتَصَرُوا
وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : دَابِرُ الْقَوْمِ آخِرُهُمُ الَّذِي يَدْبُرُهُمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13721الْأَصْمَعِيُّ الدَّابِرُ الْأَصْلُ يُقَالُ قَطَعَ اللَّهُ دَابِرَهُ أَيْ أَذْهَبَ اللَّهُ أَصْلَهُ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) فِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى حَمِدَ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ قَطَعَ دَابِرَهُمْ وَاسْتَأْصَلَ شَأْفَتَهُمْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ جَارِيًا مَجْرَى النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ عَلَى أُولَئِكَ الرُّسُلِ فِي إِزَالَةِ شَرِّهِمْ عَنْ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَلِمَ قَسْوَةَ قُلُوبِهِمْ لَزِمَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ كُلَّمَا ازْدَادَتْ مُدَّةُ حَيَاتِهِمُ ازْدَادَتْ أَنْوَاعُ كُفْرِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ ، فَكَانُوا يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ مَزِيدَ الْعِقَابِ وَالْعَذَابِ . فَكَانَ إِفْنَاؤُهُمْ وَإِمَاتَتُهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُوجِبًا أَنْ يَصِيرُوا مُسْتَوْجِبِينَ لِتِلْكَ الزِّيَادَاتِ مِنَ الْعِقَابِ . فَكَانَ ذَلِكَ جَارِيًا مَجْرَى الْإِنْعَامِ عَلَيْهِمْ .
وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَمْدُ وَالثَّنَاءُ إِنَّمَا حَصَلَ عَلَى وُجُودِ إِنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي أَنْ كَلَّفَهُمْ وَأَزَالَ الْعُذْرَ وَالْعِلَّةَ عَنْهُمْ وَدَبَّرَهُمْ بِكُلِّ الْوُجُوهِ الْمُمْكِنَةِ فِي التَّدْبِيرِ الْحَسَنِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ أَخْذَهُمْ أَوَّلًا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ، ثُمَّ نَقَلَهُمْ إِلَى الْآلَاءِ وَالنَّعْمَاءِ ، وَأَمْهَلَهُمْ وَبَعَثَ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ إِلَيْهِمْ ، فَلَمَّا لَمْ يَزْدَادُوا إِلَّا انْهِمَاكًا فِي الْغَيِّ وَالْكُفْرِ ، أَفْنَاهُمُ اللَّهُ وَطَهَّرَ وَجْهَ الْأَرْضِ مِنْ شَرِّهِمْ ، فَكَانَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) عَلَى تِلْكَ النِّعَمِ الْكَثِيرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ .