ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : لقائل أن يقول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40كن ) إن كان خطابا مع المعدوم فهو محال ، وإن كان خطابا مع الموجود كان هذا أمرا بتحصيل الحاصل وهو محال .
[ ص: 27 ] والجواب : أن هذا تمثيل لنفي الكلام والمعاياة وخطاب مع الخلق بما يعقلون ، وليس خطابا للمعدوم ، لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28783ما أراده الله تعالى فهو كائن على كل حال وعلى ما أراده من الإسراع ، ولو أراد خلق الدنيا والآخرة بما فيهما من السماوات والأرض في قدر لمح البصر لقدر على ذلك ، ولكن العباد خوطبوا بذلك على قدر عقولهم .
المسألة الثانية : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40قولنا ) مبتدأ و (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40أن نقول ) خبره و (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40كن فيكون ) من كان التامة التي بمعنى الحدوث والوجود أي : إذا أردنا حدوث شيء فليس إلا أن نقول له : احدث ، فيحدث عقيب ذلك من غير توقف .
المسألة الثالثة : قرأ
ابن عامر والكسائي ( فيكون ) بنصب النون ، والباقون بالرفع ، قال
الفراء : القراءة بالرفع وجهها أن يجعل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40أن نقول له ) كلاما تاما ، ثم يخبر عنه بأنه سيكون ، كما يقال : إن زيدا يكفيه إن أمر فيفعل ، فترفع قولك : "فيفعل" على أن تجعله كلاما مبتدأ ، وأما القراءة بالنصب فوجهه أن تجعله عطفا على "أن نقول" ، والمعنى : أن نقول : "كن" فيكون ، هذا قول جميع النحويين ، قال
الزجاج : ويجوز أن يكون نصبا على جواب (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40كن ) قال
أبو علي لفظة " كن " وإن كانت على لفظة الأمر فليس القصد بها ههنا الأمر ، إنما هو - والله أعلم - الإخبار عن كون الشيء وحدوثه ، وإذا كان الأمر كذلك فحينئذ يبطل قوله : إنه نصب على جواب (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40كن ) والله أعلم .
ثم قال تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40كُنْ ) إِنْ كَانَ خِطَابًا مَعَ الْمَعْدُومِ فَهُوَ مُحَالٌ ، وَإِنْ كَانَ خِطَابًا مَعَ الْمَوْجُودِ كَانَ هَذَا أَمْرًا بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ .
[ ص: 27 ] وَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذَا تَمْثِيلٌ لِنَفْيِ الْكَلَامِ وَالْمُعَايَاةِ وَخِطَابٌ مَعَ الْخَلْقِ بِمَا يَعْقِلُونَ ، وَلَيْسَ خِطَابًا لِلْمَعْدُومِ ، لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28783مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ كَائِنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَى مَا أَرَادَهُ مِنَ الْإِسْرَاعِ ، وَلَوْ أَرَادَ خَلْقَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِمَا فِيهِمَا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي قَدْرِ لَمْحِ الْبَصَرِ لَقَدَرَ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَكِنَّ الْعِبَادَ خُوطِبُوا بِذَلِكَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ .
المسألة الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40قَوْلُنَا ) مُبْتَدَأٌ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40أَنْ نَقُولَ ) خَبَرُهُ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40كُنْ فَيَكُونُ ) مِنْ كَانَ التَّامَّةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْحُدُوثِ وَالْوُجُودِ أَيْ : إِذَا أَرَدْنَا حُدُوثَ شَيْءٍ فَلَيْسَ إِلَّا أَنْ نَقُولَ لَهُ : احْدُثْ ، فَيَحْدُثُ عَقِيبَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ .
المسألة الثَّالِثَةُ : قَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ ( فَيَكُونَ ) بِنَصْبِ النُّونِ ، وَالْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ ، قَالَ
الْفَرَّاءُ : الْقِرَاءَةُ بِالرَّفْعِ وَجْهُهَا أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40أَنْ نَقُولَ لَهُ ) كَلَامًا تَامًّا ، ثُمَّ يُخْبِرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ ، كَمَا يُقَالُ : إِنَّ زَيْدًا يَكْفِيهِ إِنْ أُمِرَ فَيَفْعَلُ ، فَتَرْفَعُ قَوْلَكَ : "فَيَفْعَلُ" عَلَى أَنْ تَجْعَلَهُ كَلَامًا مُبْتَدَأً ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالنَّصْبِ فَوَجْهُهُ أَنْ تَجْعَلَهُ عَطْفًا عَلَى "أَنْ نَقُولَ" ، وَالْمَعْنَى : أَنْ نَقُولَ : "كُنْ" فَيَكُونَ ، هَذَا قَوْلُ جَمِيعِ النَّحْوِيِّينَ ، قَالَ
الزَّجَّاجُ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا عَلَى جَوَابِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40كُنْ ) قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ لَفْظَةُ " كُنْ " وَإِنْ كَانَتْ عَلَى لَفْظَةِ الْأَمْرِ فَلَيْسَ الْقَصْدُ بِهَا هَهُنَا الْأَمْرَ ، إِنَّمَا هُوَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ وَحُدُوثِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ قَوْلُهُ : إِنَّهُ نُصِبَ عَلَى جَوَابِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=40كُنْ ) وَاللَّهُ أَعْلَمُ .