الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسالة الثانية أنه تعالى أعاد تقرير أن كل أحد مختص بأثر على نفسه بقوله ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) قال الزجاج : يقال وزر يزر فهو وازر ، ووزر وزرا وزرة ، ومعناه أثم يأثم إثما قال وفي تأويل الآية وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول أن المذنب لا يؤاخذ بذنب غيره وأيضا غيره لا يؤاخذ بذنبه بل كل أحد مختص بذنب نفسه .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه لا ينبغي أن يعمل الإنسان بالإثم لأن غيره عمله كما قال الكفار وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير [ الزخرف 32 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن الناس تمسكوا بهذه الآية في إثبات أحكام كثيرة

                                                                                                                                                                                                                                            الحكم الأول :

                                                                                                                                                                                                                                            قال الجبائي : في الآية دلالة على أنه تعالى لا يعذب الأطفال بكفر آبائهم وإلا لكان الطفل مؤاخذا بذنب أبيه وذلك على خلاف ظاهر هذه الآية

                                                                                                                                                                                                                                            الحكم الثاني :

                                                                                                                                                                                                                                            روى ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " إن الميت ليعذب ببكاء أهله " فعائشة طعنت في صحة هذا [ ص: 138 ] الخبر واحتجت على صحة ذلك الطعن بقوله تعالى ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) فإن تعذيب الميت بسبب بكاء أهله أخذ للإنسان بجرم غيره ، وذلك خلاف هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            الحكم الثالث :

                                                                                                                                                                                                                                            قال القاضي : دلت هذه الآية على أن الوزر والإثم ليس من فعل الله تعالى . وبيانه من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه لو كان كذلك لامتنع أن يؤاخذ العبد به كما لا يؤاخذ بوزر غيره .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أنه كان يجب ارتفاع الوزر أصلا ، لأن الوازر إنما يصح أن يوصف بذلك إذا كان مختارا يمكنه التحرز ، ولهذا المعنى لا يوصف الصبي بهذا .

                                                                                                                                                                                                                                            الحكم الرابع :

                                                                                                                                                                                                                                            أن جماعة من قدماء الفقهاء امتنعوا من ضرب الدية على العاقلة ، وقالوا : لأن ذلك يقتضي مؤاخذة الإنسان بسبب فعل الغير ، وذلك على مضادة هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            وأجيب عنه بأن المخطئ ليس بمؤاخذ على ذلك الفعل ، فكيف يصير غيره مؤاخذا بسبب ذلك الفعل ، بل ذلك تكليف واقع على سبيل الابتداء من الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية