الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( وما بكم من نعمة فمن الله ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : أنه لما بين بالآية أن الواجب على العاقل أن لا يتقي غير الله ، بين في هذه الآية أنه يجب عليه أن لا يشكر أحدا إلا الله تعالى ، لأن الشكر إنما يلزم على النعمة ، وكل نعمة حصلت للإنسان فهي من الله تعالى لقوله : ( وما بكم من نعمة فمن الله ) فثبت بهذا أن العاقل يجب عليه أن لا يخاف وأن لا يتقي أحدا إلا الله وأن لا يشكر أحدا إلا الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الإيمان حصل بخلق الله تعالى فقالوا : الإيمان نعمة ، وكل نعمة فهي من الله تعالى لقوله : ( وما بكم من نعمة فمن الله ) ينتج أن الإيمان من الله وإنما قلنا : إن الإيمان نعمة ; لأن المسلمين مطبقون على قولهم : الحمد لله على نعمة الإيمان ، وأيضا فالنعمة عبارة عن كل ما يكون منتفعا به ، وأعظم الأشياء في النفع هو الإيمان ، فثبت أن الإيمان نعمة .

                                                                                                                                                                                                                                            وإذا ثبت هذا فنقول : وكل نعمة فهي من الله تعالى لقوله تعالى : ( وما بكم من نعمة فمن الله ) وهذه [ ص: 42 ] اللفظة تفيد العموم ، وأيضا مما يدل على أن كل نعمة فهي من الله ، لأن كل ما كان موجودا فهو إما واجب لذاته ، وإما ممكن لذاته ، والواجب لذاته ليس إلا الله تعالى ، والممكن لذاته لا يوجد إلا لمرجح ، وذلك المرجح إن كان واجبا لذاته كان حصول ذلك الممكن بإيجاد الله تعالى ، وإن كان ممكنا لذاته عاد التقسيم الأول فيه ، ولا يذهب إلى التسلسل ، بل ينتهي إلى إيجاد الواجب لذاته ، فثبت بهذا البيان أن كل نعمة فهي من الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : النعم إما دينية ، وإما دنيوية ، أما النعم الدينية فهي إما معرفة الحق لذاته ، وإما معرفة الخير لأجل العمل به ، وأما النعم الدنيوية فهي إما نفسانية ، وإما بدنية ، وإما خارجية ، وكل واحد من هذه الثلاثة جنس تحته أنواع خارجة عن الحصر والتحديد كما قال : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [ إبراهيم : 34 ] والإشارة إلى تفصيل تلك الأنواع قد ذكرناها مرارا فلا نعيدها .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : إنما دخلت الفاء في قوله ( فمن الله ) لأن الباء في قوله ( بكم ) متصلة بفعل مضمر ، والمعنى : ما يكن بكم أو ما حل بكم من نعمة فمن الله .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية