الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قوله : ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) فيه بحثان :

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الأول : أن العلوم إما مستفادة من الحواس ، أو من العقول .

                                                                                                                                                                                                                                            أما القسم الأول : فإليه الإشارة بذكر السمع والبصر ، فإن الإنسان إذا سمع شيئا ورآه فإنه يرويه ويخبر عنه .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما القسم الثاني : فهو العلوم المستفادة من العقل وهي قسمان : البديهية والكسبية ، وإلى العلوم العقلية الإشارة بذكر الفؤاد .

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الثاني : ظاهر الآية يدل على أن هذه الجوارح مسئولة وفيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الأول : أن المراد أن صاحب السمع والبصر والفؤاد هو المسئول لأن السؤال لا يصح إلا ممن كان عاقلا ، وهذه الجوارح ليست كذلك ، بل العاقل الفاهم هو الإنسان ، فهو كقوله تعالى : ( واسأل القرية ) [ يوسف : 82 ] والمراد أهلها يقال له لم سمعت ما لا يحل لك سماعه ؟ ولم نظرت إلى ما لا يحل لك النظر إليه ، ولم عزمت على ما لا يحل لك العزم عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن تقرير الآية أن أولئك الأقوام كلهم مسئولون عن السمع والبصر والفؤاد فيقال لهم : استعملتم السمع في ماذا ؟ أفي الطاعة أو في المعصية ؟ وكذلك القول في بقية الأعضاء ، وذلك لأن هذه الحواس آلات النفس ، والنفس كالأمير لها والمستعمل لها في مصالحها فإن استعملتها النفس في الخيرات استوجبت الثواب ، وإن استعملتها في المعاصي استحقت العقاب . [ ص: 169 ]

                                                                                                                                                                                                                                            والوجه الثالث : أنه ثبت بالقرآن أنه تعالى يخلق الحياة في الأعضاء ثم إنها تشهد على الإنسان والدليل عليه قوله تعالى : ( يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ) [ النور : 24 ] ولذلك لا يبعد أن يخلق الحياة والعقل والنطق في هذه الأعضاء . ثم إنه تعالى يوجه السؤال عليها .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية