الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( عسى ربكم أن يرحمكم ) والمعنى : لعل ربكم أن يرحمكم ويعفو عنكم بعد انتقامه منكم يا بني إسرائيل .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( وإن عدتم عدنا ) يعني : أن بعثنا عليكم من بعثنا ، ففعلوا بكم ما فعلوا عقوبة لكم وعظة لتنتفعوا به وتزدجروا به عن ارتكاب المعاصي ، ثم رحمكم فأزال هذا العذاب عنكم ، فإن عدتم مرة أخرى إلى المعصية عدنا إلى صب البلاء عليكم في الدنيا مرة أخرى .

                                                                                                                                                                                                                                            قال القفال : إنما حملنا هذه الآية على عذاب الدنيا لقوله تعالى في سورة الأعراف خبرا عن بني إسرائيل : ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ) [ الأعراف : 167 ] ثم قال : ( وإن عدتم عدنا ) أي : وإنهم قد عادوا إلى فعل ما لا ينبغي وهو التكذيب بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وكتمان ما ورد في التوراة والإنجيل ، فعاد الله عليهم بالتعذيب على أيدي العرب . فجرى على بني النضير وقريظة وبني قينقاع ويهود خيبر ما جرى من القتل والجلاء ، ثم الباقون منهم مقهورون بالجزية لا ملك لهم ولا سلطان .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) والحصير فعيل فيحتمل أن يكون بمعنى الفاعل ، أي : وجعلنا جهنم حاصرة لهم ، ويحتمل أن يكون بمعنى مفعول ، أي : جعلناها موضعا محصورا لهم ، والمعنى أن عذاب الدنيا وإن كان شديدا قويا إلا أنه قد يتفلت بعض الناس عنه ، والذي يقع في ذلك العذاب يتخلص عنه ، إما بالموت وإما بطريق آخر ، وأما عذاب الآخرة فإنه يكون حاصرا للإنسان محيطا به لا رجاء في الخلاص عنه ، فهؤلاء الأقوام لهم من عذاب الدنيا ما وصفناه ويكون لهم بعد ذلك من عذاب الآخرة ما يكون محيطا بهم من جميع الجهات ولا يتخلصون منه أبدا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية