( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها )
قوله تعالى : ( ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ) .
اعلم أن هذا هو النوع الثاني من الأشياء التي نهى الله عنها في هذه الآيات وفيه مسائل :
المسألة الأولى : المرح شدة الفرح يقال : مرح يمرح مرحا فهو مرح ، والمراد من الآية . قال النهي عن أن يمشي الإنسان مشيا يدل على الكبرياء والعظمة الزجاج : لا تمش في الأرض مختالا فخورا ، ونظيره قوله تعالى في سورة الفرقان : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ) [ الفرقان : 63 ] وقال في سورة لقمان : ( واقصد في مشيك واغضض من صوتك ) [ لقمان : 19 ] وقال أيضا فيها : ( ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور ) [ لقمان : 18 ] .
المسألة الثانية : قال الأخفش : ولو قرئ : " مرحا " بالكسر كان أحسن في القراءة . قال الزجاج : مرحا مصدر ومرحا اسم الفاعل وكلاهما جائز ، إلا أن المصدر أحسن ههنا وأوكد ، تقول جاء زيد ركضا وراكضا فركضا أوكد لأنه يدل على توكيد الفعل ، ثم إنه تعالى أكد النهي عن الخيلاء والتكبر فقال : ( إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) والمراد من الخرق ههنا نقب الأرض ، ثم ذكروا فيه وجوها :
الأول : أن المشي إنما يتم بالارتفاع والانخفاض فكأنه قيل : إنك حال الانخفاض لا تقدر على خرق الأرض ونقبها ، وحال الارتفاع لا تقدر على أن تصل إلى رءوس الجبال ، والمراد التنبيه على كونه ضعيفا عاجزا فلا يليق به التكبر .
الثاني : المراد منه أن تحتك الأرض التي لا تقدر على خرقها ، وفوقك الجبال التي لا تقدر على الوصول إليها ، فأنت محاط بك من فوقك وتحتك بنوعين من الجماد ، وأنت أضعف منهما بكثير ، والضعيف المحصور لا يليق به التكبر فكأنه قيل له : تواضع ولا تتكبر فإنك خلق ضعيف من خلق الله المحصور بين حجارة وتراب فلا تفعل فعل المقتدر القوي .