( فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون    ) 
قوله تعالى ( فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون    ) 
اعلم أن الله تعالى كلفنا في هذه الآية بأمرين : الذكر ، والشكر  ، أما الذكر فقد يكون باللسان ، وقد يكون بالقلب ، وقد يكون بالجوارح ، فذكرهم إياه باللسان أن يحمدوه ويسبحوه ويمجدوه ويقرءوا كتابه ، وذكرهم إياه بقلوبهم على ثلاثة أنواع : 
أحدها : أن يتفكروا في الدلائل الدالة على ذاته وصفاته ، ويتفكروا في الجواب عن الشبهة القادحة في تلك الدلائل . 
وثانيها : أن يتفكروا في الدلائل الدالة على كيفية تكاليفه وأحكامه وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده ، فإذا عرفوا كيفية التكليف وعرفوا ما في الفعل من الوعد ، وفي الترك من الوعيد سهل فعله عليهم . 
وثالثها : أن يتفكروا في أسرار مخلوقات الله تعالى حتى تصير كل ذرة من ذرات المخلوقات كالمرآة المجلوة المحاذية لعالم القدس ، فإذا نظر العبد إليها انعكس شعاع بصره منها إلى عالم الجلال ، وهذا المقام مقام لا نهاية له ، أما ذكرهم إياه تعالى بجوارحهم ، فهو أن تكون جوارحهم مستغرقة في الأعمال التي أمروا بها ، وخالية عن الأعمال التي نهوا عنها ، وعلى هذا الوجه سمى الله تعالى الصلاة ذكرا بقوله : ( فاسعوا إلى ذكر الله    ) [ الجمعة : 9 ] فصار الأمر بقوله : ( فاذكروني    ) متضمنا جميع الطاعات ، فلهذا روي عن  سعيد بن جبير  أنه قال : اذكروني بطاعتي ، فأجمله حتى يدخل الكل فيه ، أما قوله : ( أذكركم    ) فلا بد من حمله على ما يليق بالموضع ، والذي له تعلق بذلك الثواب والمدح ، وإظهار الرضا والإكرام ، وإيجاب   [ ص: 131 ] المنزلة ، وكل ذلك داخل تحت قوله : ( أذكركم    ) ثم للناس في هذه الآية عبارات : 
الأولى : اذكروني بطاعتي أذكركم برحمتي . 
الثانية : اذكروني بالدعاء أذكركم بالإجابة والإحسان وهو بمنزلة قوله : ( ادعوني أستجب لكم    ) [ غافر : 60 ] وهو قول أبي مسلم  ، قال : أمر الخلق بأن يذكروه راغبين راهبين ، وراجين خائفين ، ويخلصوا الذكر له عن الشركاء ، فإذا هم ذكروه بالإخلاص في عبادته وربوبيته ذكرهم بالإحسان والرحمة والنعمة في العاجلة والآجلة . 
الثالثة : اذكروني بالثناء والطاعة أذكركم بالثناء والنعمة . 
الرابعة : اذكروني في الدنيا أذكركم في الآخرة . 
الخامسة : اذكروني في الخلوات أذكركم في الفلوات . 
السادسة : اذكروني في الرخاء أذكركم في البلاء . 
السابعة : اذكروني بطاعتي أذكركم بمعونتي . 
الثامنة : اذكروني بمجاهدتي أذكركم بهدايتي . 
التاسعة : اذكروني بالصدق والإخلاص أذكركم بالخلاص ومزيد الاختصاص . العاشرة : اذكروني بالربوبية في الفاتحة أذكركم بالرحمة والعبودية في الخاتمة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					