الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            الفصل الثالث

                                                                                                                                                                                                                                            في مقادير الحركات

                                                                                                                                                                                                                                            قال الجمهور : إن جميع الأفلاك تتحرك من المغرب إلى المشرق سوى الفلك الأعظم ، والمدير لعطارد والفلك الممثل والمائل والمدير للقمر ، فالحركة الشرقية تسمى الحركة إلى التوالي ، والغربية إلى خلاف التوالي ، والفلك الأعظم يتحرك حركة سريعة في كل يوم بليلته دورة واحدة على قطبين يسميان قطبي العالم ، ويحرك جميع الأفلاك والكواكب ، وبهذه الحركة يقع للكواكب الطلوع والغروب وتسمى الحركة الأولى ، وفلك الثوابت يتحرك حركة بطيئة في كل ست وستين سنة عند المتأخرين درجة واحدة على قطبين يسميان قطبي فلك البروج ، وهما يدوران حول قطبي العالم بالحركة الأولى ، وتتحرك على وفق هذه الحركة جميع الأفلاك المتحركة ، وبهذه الحركة تنتقل الأوجات عن موضعها من فلك البروج وتسمى الحركة الثانية وحركة الأوج وهي حركة الثوابت ، والثوابت إنما سميت ثوابت لأسباب :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : كونها بطيئة ؛ لأنها بإزاء السيارة تشبه الساكنة .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 168 ]

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : السيارة تتحرك إليها وهي لا تتحرك إلى السيارة فكأن الثوابت ثابتة لانتظارها .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : عروضها ثابتة على مقدار واحد لا يتغير .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : أبعاد ما بينها ثابتة على حال واحد لا تتغير الصورة المتوهمة عليها من الصور الثماني والأربعين .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها : الأزمنة عند أكثر عوام الأمم بطلوعها وأفولها بحيث لا يتفاوت إلا في القرون والأحقاب .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما الأفلاك الخارجة المركز فإنها تتحرك في كل يوم هكذا : زحل ( ب ) المشتري ( دنط ) المريخ بدلالة الشمس ( لا كر ) الزهرة ( نط ج ) عطارد ( نط ح ) والقمر ( يج يج مو ) وتسمى حركة المركز ، وحركة الوسط ، وهي حركات مراكز أفلاك التداوير ومركز الشمس ، والأفلاك التداوير تتحرك بهذا المقدار زحل ( نرح ) المشتري ( ند ط ) المريخ ( كرمب ) الزهرة ( لونط ) عطارد ( ج وكد ) القمر ( يج ج ند ) وتسمى الحركة الخاصة ، وحركة الاختلاف ، وهي حركات مراكز الكواكب . واعلم أن بسبب هذه الحركات المختلفة يعرض لهذه الكواكب أحوال مختلفة :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه يحصل للقمر مثلا أبعاد مختلفة غير مضبوطة بالنسبة إلى هذا العالم ، والأنواع المضبوطة منها أربعة :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن يكون القمر على البعد الأقرب من فلك التدوير ، ومركز التدوير على البعد الأقرب من الفلك الخارج المركز ويقال له : البعد الأقرب ، وهو الثلاث وثلاثون مرة مثل نصف قطر الأرض بالتقريب .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن يكون القمر على البعد الأبعد من فلك التدوير ، ومركز فلك التدوير على البعد الأقرب من الفلك الخارج المركز ، وهو البعد الأقرب للأبعد وهو ثلاث وأربعون مرة مثل نصف قطر الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن يكون القمر على البعد الأقرب من فلك التدوير ، ومركز فلك التدوير على البعد الأبعد من الفلك الخارج المركز وهو البعد الأبعد للأقرب ، وهو أربعة وخمسون مرة مثل نصف قطر الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : أن يكون القمر على البعد الأبعد من فلك التدوير ، ومركز التدوير على البعد الأبعد من الفلك الخارج المركز وهو البعد الأبعد وهو أربعة وستون مرة مثل نصف قطر الأرض ، ثم إن ما بين هذه النقط الأربعة الأحوال مختلفة على ما أتى على شرحها أبو الريحان .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن جميع الكواكب مرتبطة بالشمس ارتباطا ما ، فأما العلوية فإن بعد مراكزها عن ذرى أفلاك تداويرها أبدا تكون بمقدار بعد مركز الشمس عن مراكز تداويرها ، وحينئذ تكون محترقة ، ومتى كانت في الحضيض كانت في مقابلتها ، وحينئذ تكون مقابلة للشمس ، وذلك يقارن الشمس في منتصف الاستقامة ويقابلها في منتصف الرجوع . وقيل : إن نصف قطر فلك تدوير المريخ أعظم من نصف قطر فلك ممثل الشمس فيلزم أنه إذا كان مقارنا للشمس يكون بعد مركزه عن مركز الشمس أعظم منه إذا كان مقابلا لها ، وأما السفليات فإن مراكز أفلاك تدويرها أبدا يكون مقارنا للشمس ، فيلزم أن تقارن الشمس الذروة والحضيض في منتصفي الاستقامة ، والرجوع غاية بعد كل واحد منهما عن الشمس بمقدار نصف قطر فلك تدويرهما ، وهو للزهرة ( مه ) ولعطارد ( كه ) بالتقريب ، وأما القمر فإن مركز الشمس أبدا يكون متوسطا بين بعده الأبعد وبين مركز تدويره ، ولذلك يقال لبعد مركز تدويره عن البعد الأبعد البعد المضاعف ؛ لأنه ضعف بعد مركز تدويره من الشمس ، فلزم أنه متى كان مركز تدويره في البعد الأبعد ، فإما أن يكون مقابلا للشمس أو مقارنا لها ، ومتى كان في البعد الأقرب تكون الشمس في تربيعه ، فلذلك يكون اجتماعه واستقباله في البعد الأبعد وتربيعه مع الشمس في الأقرب .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية