المسألة الرابعة : في فضيلة الصبر  قد وصف الله تعالى الصابرين بأوصاف وذكر الصبر في القرآن في نيف وسبعين موضعا ، وأضاف أكثر الخيرات إليه فقال : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا    ) [ السجدة : 24 ] ، وقال : ( وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا    ) [ الأعراف : 137 ] وقال : ( ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون    ) وقال : ( أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا    ) [ القصص : 54 ] وقال : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب    ) [ الزمر : 10 ] فما من طاعة إلا وأجرها مقدرا إلا الصبر ، ولأجل كون الصوم من الصبر قال تعالى : ( الصوم لي ) فأضافه إلى نفسه ، ووعد الصابرين بأنه معهم فقال : ( واصبروا إن الله مع الصابرين    ) [ الأنفال : 46 ] وعلق النصرة على الصبر فقال : ( بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة    ) [ آل عمران : 125 ] وجمع للصابرين أمورا لم يجمعها لغيرهم فقال : ( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون    ) [ البقرة : 157 ] . وأما الأخبار فقال - عليه الصلاة والسلام - :   " الصبر نصف الإيمان " وتقريره أن الإيمان لا يتم إلا بعد ترك ما لا ينبغي من الأقوال والأعمال والعقائد ، وبحصول ما ينبغي ، فالاستمرار على ترك ما لا ينبغي هو الصبر وهو النصف   [ ص: 139 ] الآخر ، فعلى مقتضى هذا الكلام يجب أن يكون الإيمان كله صبرا إلا أن ترك ما لا ينبغي وفعل ما ينبغي قد يكون مطابقا للشهوة ، فلا يحتاج فيه إلى الصبر ، وقد يكون مخالفا للشهوة فيحتاج فيه إلى الصبر ، فلا جرم جعل الصبر نصف الإيمان ، وقال - عليه السلام - :   " من أفضل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر ، ومن أعطي حظه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام النهار " وقال - عليه السلام - :   " الإيمان هو الصبر " وهذا شبه قوله - عليه السلام - :   " الحج عرفة "   . 
المسألة الخامسة : في بيان أن الصبر أفضل أم الشكر  ؟ قال الشيخ  الغزالي    - رحمه الله - : دلالة الأخبار على فضيلة الصبر أشد ، قال - عليه السلام - :   " من أفضل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر " وقال :   " يؤتى بأشكر أهل الأرض فيجزيه الله جزاء الشاكرين ، ويؤتى بأصبر أهل الأرض فيقال له : أترضى أن نجزيك كما جزينا هذا الشاكر ؟ فيقول : نعم يا رب ، فيقول الله تعالى : لقد أنعمت عليك فشكرت ، وابتليتك فصبرت ، لأضعفن لك الأجر فيعطى أضعاف جزاء الشاكرين " وأما قوله - عليه السلام - :   " الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر " فهو دليل على فضل الصبر ؛ لأن هذا إنما يذكر في معرض المبالغة ، وهي لا تحصل إلا إذا كان المشبه به أعظم درجة من المشبه كقوله - عليه السلام - :   " شارب الخمر كعابد الوثن " ، وأيضا روي أن سليمان    - عليه السلام - يدخل الجنة بعد الأنبياء بأربعين خريفا لمكان ملكه ، وآخر الصحابة دخولا الجنة  عبد الرحمن بن عوف  لمكان غناه ، وفي الخبر : أبواب الجنة كلها مصراعان إلا باب الصبر فإنه مصراع واحد وأول من يدخله أهل البلاء وأمامهم أيوب    - عليه السلام - . 
المسألة السادسة : دلت هذه الآية على أمور : 
أحدها : أن هذه المحن لا يجب أن تكون عقوبات ؛ لأنه تعالى وعد بها المؤمنين من الرسول وأصحابه . 
وثانيها : أن هذه المحن إذا قارنها الصبر أفادت درجة عالية في الدين    . 
وثالثها : أن كل هذه المحن من الله تعالى خلاف قول الثنوية  الذين ينسبون الأمراض وغيرها إلى شيء آخر ، وخلاف قول المنجمين الذين ينسبونها إلى سعادة الكواكب ونحوستها . 
ورابعها : أنها تدل على أن الغذاء لا يفيد الشبع ، وشرب الماء لا يفيد الري ، بل كل ذلك يحصل بما أجرى الله العادة به عند هذه الأسباب ؛ لأن قوله : ( ولنبلونكم    ) صريح في إضافة هذه الأمور إلى الله تعالى ، وقول من قال : إنه تعالى لما خلق أسبابها صح منه هذا القول ضعيف لأنه مجاز ، والعدول إلى المجاز لا يمكن إلا بعد تعذر الحقيقة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					