الأول : كثرة الاختلاف إلى شيء والتردد إليه ، فمن زار البيت للحج فإنه يأتيه أولا ليعرفه ثم يعود إليه للطواف ثم ينصرف إلى الحج في اللغة منى ثم يعود إليه لطواف الزيارة ثم يعود إليه لطواف الصدر .
الثاني : قال قطرب : الحج الحلق يقال : احجج شجتك ، وذلك أن يقطع الشعر من نواحي الشجة ليدخل الحجاج في الشجة ، فيكون المعنى : حج فلان أي حلق ، قال القفال وهذا محتمل لقوله تعالى : ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين ) [ الفتح : 27 ] أي حجاجا وعمارا ، فعبر عن ذلك بالحلق ، فلا يبعد أن يكون الحج مسمى بهذا الاسم لمعنى الحلق . الثالث : قال قوم الحج القصد ، يقال : رجل محجوج ، ومكان محجوج إذا كان مقصودا ، ومن ذلك محجة الطريق ، فكان البيت لما كان مقصودا بهذا النوع من العبادة سمي ذلك الفعل حجا ، قال القفال : والقول الأول أشبه بالصواب ؛ لأن قولهم : رجل محجوج إنما هو فيمن يختلف إليه مرة بعد أخرى ، وكذلك محجة الطريق هو الذي كثر السير إليه .
وأما فقال أهل اللغة : الاعتمار هو القصد والزيارة ، قال العمرة الأعشى :
وجاشت النفس لما جاء جمعهم وراكب جاء من تثليث معتمر
وقال قطرب : العمرة في كلام عبد القيس : المسجد ، والبيعة ، والكنيسة ، قال القفال : ولا شبهة في العمرة إذا أضيفت إلى البيت أن تكون بمعنى الزيارة ؛ لأن المعتمر يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم ينصرف كالزائر ، وأما الجناح فهو من قولهم : جنح إلى كذا أي مال إليه ، قال الله تعالى : ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) [ الأنفال : 61 ] وجنحت السفينة إذا لزمت الماء فلم تمض ، وجنح الرجل في الشيء يعلمه بيده إذا مال إليه بصدره وقيل للأضلاع : جوانح لاعوجاجها ، وجناح الطائر من هذا ؛ لأنه يميل في أحد شقيه ولا يطير على مستوى خلقته فثبت أن أصله من الميل ، ثم من الناس من قال : إنه بقي في عرف القرآن كذلك أيضا فمعنى : ( لا جناح عليه ) أينما ذكر في القرآن : لا ميل لأحد عليه بمطالبة شيء من الأشياء ، ومنهم من قال : بل هو مختص بالميل إلى الباطل وإلى ما يأثم به .
وقوله : ( أن يطوف بهما ) أي : يتطوف فأدغمت التاء في الطاء كما قال : ( ياأيها المدثر ) [ المدثر : 1 ] ( ياأيها المزمل ) [ المزمل : 1 ] أي : المتدثر والمتزمل ، ويقال : طاف وأطاف بمعنى واحد .