( إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم )
قوله تعالى ( إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم )
اعلم أنه تعالى لما بين عظيم الوعيد في الذين يكتمون ما أنزل الله كان يجوز أن يتوهم أن الوعيد يلحقهم على كل حال ، فبين تعالى أنهم إذا تابوا تغير حكمهم ، ودخلوا في أهل الوعيد ، وقد ذكرنا أن ؛ لأن من ترك رد الوديعة ثم ندم عليه لأن الناس ذموه ، أو لأن الحاكم رد شهادته لم يكن تائبا ، وكذلك لو عزم على رد كل وديعة ، والقيام بكل واجب ، لكي تقبل شهادته ، أو يمدح بالثناء عليه لم يكن تائبا ، وهذا معنى الإخلاص في التوبة ، ثم بين تعالى أنه لا بد له بعد التوبة من إصلاح ما أفسده ، مثلا لو أفسد على غيره دينه بإيراد شبهة عليه يلزمه إزالة تلك الشبهة ، ثم بين ثالثا أنه بعد ذلك يجب عليه فعل ضد الكتمان ، وهو البيان وهو المراد بقوله : ( التوبة عبارة عن الندم على فعل القبيح لا لغرض سواه وبينوا ) فدلت هذه الآية على أن ، قالت التوبة لا تحصل إلا بترك كل ما لا ينبغي وبفعل كل ما ينبغي المعتزلة : الآية تدل على أن التوبة عن بعض المعاصي مع الإصرار على البعض لا تصح ؛ لأن قوله : ( وأصلحوا ) عام في الكل . والجواب عنه : أن اللفظ المطلق يكفي في صدقه حصول فرد واحد من أفراده . قال أصحابنا : تدل الآية على أن قبول التوبة غير واجب عقلا ؛ لأنه تعالى ذكر ذلك في معرض المدح والثناء على نفسه ، ولو كان كذلك واجبا لما حسن هذا المدح ، ومعنى : ( أتوب عليهم ) أقبل توبتهم ، وقبول التوبة يتضمن إزالة عقاب ما تاب منها ، فإن قيل : هلا قلتم أن معنى ( فأولئك أتوب عليهم ) هو قبول التوبة بمعنى المجازاة والثواب كما تقولون في قبول الطاعة ؟ قلنا : الطاعة إنما أفاد قبولها استحقاق الثواب ؛ لأنه لا يستحق بها سواه ، وهو الغرض بفعلها ، وليس كذلك التوبة لأنها موضوعة لإسقاط العقاب ، وهو الغرض بفعلها ، وإن كان لا بد من أن يستحق بها الثواب إذا لم يكن مخطئا ، ومعنى قوله : ( وأنا التواب ) القابل لتوبة كل ذي توبة ، فهو مبالغة في هذا الباب ، ومعنى الرحيم عقيب ذلك : التنبيه على أنه لرحمته بالمكلفين من عباده ، يقبل توبتهم بعد التفريط العظيم منهم .