( 6932 ) مسألة : قال : ( وفي كل سن خمس من الإبل ، إذا قلعت ممن قد أثغر ، والأضراس والأنياب كالأسنان ) لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن دية الأسنان  خمس خمس في كل سن . وقد روي ذلك عن  عمر بن الخطاب  ،  وابن عباس  ،  ومعاوية  ،  وسعيد بن المسيب  ،  وعروة  ،  وعطاء  ،  وطاوس  ، والزهري  ،  وقتادة  ،  ومالك  ،  والثوري  ،  والشافعي  ، وإسحاق  ،  وأبي حنيفة  ،  ومحمد بن الحسن    . وفي كتاب عمرو بن حزم  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم {   : في السن خمس من الإبل   } . رواه  النسائي    . 
وعن  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {   : في الأسنان خمس خمس   } . رواه أبو داود    . فأما الأضراس والأنياب ، فأكثر أهل العلم على أنها مثل الأسنان ; ومنهم  عروة   وطاوس   وقتادة  والزهري   ومالك   والثوري   والشافعي  وإسحاق   وأبو حنيفة  ، ومحمد بن الحسن . وروي ذلك عن  ابن عباس  ،  ومعاوية  وروي عن  عمر  رضي الله عنه ، أنه قضى في الأضراس ببعير بعير . وعن  سعيد بن المسيب  ، أنه قال : لو كنت أنا ، لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين ، فتلك الدية سواء . وروى ذلك  مالك  ، في " موطئه " وعن  عطاء  نحوه . وحكي عن  أحمد  رواية ، أن في جميع الأسنان والأضراس الدية . 
فيتعين حمل هذه الرواية على مثل قول  سعيد    ; للإجماع على أن في كل سن خمسا من الإبل ، وورود الحديث به ، فيكون في الأسنان ستون بعيرا ; لأن فيه اثني عشر سنا ، أربع ثنايا ، وأربع رباعيات ، وأربعة أنياب ، فيها خمس خمس ، وفيه عشرون ضرسا ، في كل جانب عشرة ، خمسة من فوق ، وخمسة من أسفل ، فيكون فيها أربعون بعيرا ، في كل ضرس بعيران ، فتكمل الدية . وحجة من قال هذا ، أنه ذو عدد يجب فيه الدية ، فلم تزد ديته على دية الإنسان ، كالأصابع ، والأجفان ، وسائر ما في البدن ، ولأنها تشتمل على منفعة جنس ، فلم تزد ديتها على الدية ، كسائر منافع الجنس ، ولأن الأضراس تختص بالمنفعة دون الجمال ، والأسنان فيها منفعة وجمال ، فاختلفا في الأرش . 
ولنا ، ما روى أبو داود  ، بإسناده عن  ابن عباس  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {   : الأصابع سواء ، والأسنان سواء ، الثنية والضرس سواء   } ، هذه وهذه سواء " . وهذا نص . وقوله في الأحاديث المتقدمة : في { الأسنان خمس خمس .   } ولم يفصل ، يدخل في عمومها الأضراس ; لأنها أسنان ، ولأن كل دية وجبت في جملة كانت مقسومة على العدد دون المنافع ، كالأصابع ، والأجفان ، والشفتين ، وقد أومأ  ابن عباس  إلى هذا ، فقال : لا أعتبرها بالأصابع فأما ما ذكروه من المعنى ، فلا بد من مخالفة القياس فيه ، فمن ذهب إلى قولنا ، خالف المعنى الذي ذكروه ، ومن ذهب إلى قولهم ، خالف التسوية الثابتة ، بقياس سائر الأعضاء من جنس واحد ، فكان ما ذكرناه مع موافقة الأخبار وقول أكثر أهل العلم أولى . 
وأما على  [ ص: 354 ] قول  عمر  ، أن في كل ضرس بعيرا ، فيخالف القياسين جميعا ، والأخبار ، فإنه لا يوجب الدية الكاملة ، وإنما يوجب ثمانين بعيرا ، ويخالف بين الأعضاء المتجانسة . وإنما يجب هذا الضمان في سن من قد ثغر ، وهو الذي أبدل أسنانه ، وبلغ حدا إذا قلعت سنه لم يعد بدلها . ويقال : ثغر ، واثغر ، واتغر . إذا كان كذلك . فأما سن الصبي الذي لم يثغر ، فلا يجب بقلعها في الحال شيء . هذا قول  مالك   والشافعي  ، وأصحاب الرأي . 
ولا أعلم فيه خلافا ; وذلك لأن العادة عود سنه ، فلم يجب فيها في الحال شيء ، كنتف شعره ، ولكن ينتظر عودها ; فإن مضت مدة ييأس من عودها ، وجبت ديتها . قال  أحمد  ، يتوقف سنة ; لأنه هو الغالب في نباتها . وقال  القاضي    : إذا سقطت أخواتها ولم تعد هي ، أخذت الدية . وإن نبت مكانها أخرى ، لم تجب ديتها ، كما لو نتف شعره فعاد مثله . لكن إن عادت قصيرة أو مشوهة ففيها حكومة ; لأن الظاهر أن ذلك بسبب الجناية عليها . وإن أمكن تقدير نقصها عن نظيرتها ، ففيها من ديتها بقدر ما نقص . وكذلك إن كانت فيها ثلمة أمكن تقديرها ، ففيها بقدر ما ذهب منها ، كما لو كسر من سنه ذلك القدر . وإن نبتت أكبر من أخواتها ، ففيها حكومة ; لأن ذلك عيب .
وقيل فيها وجه آخر ، لا شيء فيها ; لأن هذا زيادة . والصحيح الأول ; لأن ذلك شين حصل بسبب الجناية ، فأشبه نقصها . وإن نبتت مائلة عن صف الأسنان ، بحيث لا ينتفع بها ففيها ديتها ; لأن ذلك كذهابها ، وإن كانت ينتفع بها ، ففيها حكومة ; للشين الحاصل بها ، ونقص نفعها . وإن نبتت صفراء أو حمراء أو متغيرة ، ففيها حكومة ; لنقص جمالها . وإن نبتت سوداء أو خضراء ، ففيها روايتان ، حكاهما  القاضي    ; إحداهما ، فيها ديتها . والثانية ، فيها حكومة ، كما لو سودها من غير قلعها . وإن مات الصبي قبل اليأس من عود سنه ، ففيه وجهان ; أحدهما ، لا شيء له ; لأن الظاهر أنه لو عاش لعادت ، فلم يجب فيها شيء ، كما لو نتف شعره . والثاني : فيها الدية لأنه قلع سنا وأيس من عودها ، فوجبت ديتها ، كما لو مضى زمن تعود في مثله فلم تعد . 
وإن قلع سن من قد ثغر  ، وجبت ديتها في الحال ; لأن الظاهر أنها لا تعود ، فإن عادت ، لم تجب الدية ، وإن كان قد أخذها ردها . وبهذا قال أصحاب الرأي . وقال  مالك    : لا يرد شيئا ; لأن العادة أنها لا تعود ، فمتى عادت كانت هبة من الله تعالى مجددة ، فلا يسقط بذلك ما وجب له بقلع سنه . وعن  الشافعي  كالمذهبين . ولنا ، أنه عاد له في مكانها مثل التي قلعت ، فلم يجب له شيء ، كالذي لم يثغر . وإن عادت ناقصة ، أو مشوهة ، فحكمها حكم سن الصغير إذا عادت ، على ما ذكرنا . ولو قلع سن من لم يثغر ، فمضت مدة ييأس من عودها ، وحكم بوجوب الدية ، فعادت بعد ذلك  ، سقطت الدية ، وردت إن كانت أخذت ، كسن الكبير إذا عادت . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					