العكوف على تربية الذات
لذلك يبقى الأمر المطروح دائما على المسلم الذي يسير على قدم النبوة أن يبدأ بتنمية نفسه وتزكيتها بالإسلام ليكون على مستوى خطاب التكليف، قال تعالى:
( قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها ) (الشمس: 10) .
وأن يطور وسائله في الدعوة إلى الله ليكون في مستوى المهمة التي يتطلبها إسلامه وعصره على حد سواء قال تعالى: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هـي أحسن إن ربك هـو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) (النحل: 125) ، وقال:
( ادفع بالتي هـي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) (فصلت: 34) ..
فالمسلم مطالب دائما أن يمارس عملية العكوف على الذات لتربيتها على أمر الله، وأخذها بشرع الله، ولا نعني بذلك ضربا من السلبية والهروب من الحياة، وفقدان التوازن الاجتماعي وذلك بالانسحاب من المجتمع، والانقطاع إلى الرياضات الروحية في الكهوف والجبال، وممارسة الزهد الأعجمي بترك التعامل مع الحياة، وإنما نرى أن ميدان تربية الذات وتزكيتها أكبر من ذلك بكثير، إنه الحياة بكل ما فيها من جوانب الخير والشر؛ إنها التربية الميدانية التي لا تتم إلا من خلال الممارسة والمعايشة الاجتماعية، والمعاناة اليومية والتحديات المحيطة، واستشعار هـذه التحديات، وعدم الذوبان والسقوط أمامها، وإنما الصلابة والاستيعاب وحسن المواجهة، وإن اختلفت فيها مساحة الكر والفر حسب الظروف ومقتضى الحال، ذلك أن التربية الذاتية، أو العكوف على تربية الذات بهذا المعنى هـو الذي تفرد به الإسلام عن سائر الأديان، بزهدها ورهبانيتها، وسلبياتها.. [ ص: 81 ]