البلاغ المبين.. من أبرز خصائص التربية الميدانية
وقد يكون من أبرز خصائص التربية الميدانية التي أشرنا إليها، ومن أولى ثمراتها: عملية البلاغ المبين المهمة التي ابتعث من أجلها الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ( وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ) (آل عمران: 20) ، ( فإنما عليك البلاغ ) (الرعد: 40) ، ( وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) (العنكبوت: 18) إلى آخر هـذه الآيات الكثيرة، والكثيرة جدا، التي تحصر مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل رسل الله جميعا عليهم الصلاة والسلام بإبلاغ الناس شريعة الله، وحمل البشارة إليهم إن هـم استقاموا على الطريقة..
ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم محل الأسوة والقدوة بالنسبة للمسلم، فإن مهمة المسلم في هـذا العصر، كل عصر، تتحدد بقدرته على تحمل الإسلام وتربية نفسه عليه وأخذها به، وعلى الأداء وذلك بالقيام بعملية البلاغ المبين، فهي حياته في الدنيا ونجاته في الآخرة:
( قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا * إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ) (الجن: 22 ـ23) .
إن فهم عملية البلاغ وإدراك أبعادها، والصبر عليها، والحكمة في أدائها، والقدرة على إبصار وإنضاج وسائلها وما يمكن أن يترتب عليها من مسئوليات وتكاليف قضية على غاية من الأهمية، إنه الإدراك للقضية الإسلامية عامة، والقدرة على القيام بالمسئوليات وأداء الأمانة للخروج من عهدة التكليف.. وقد يسارع بعضهم هـنا، وبفهم مبتسر، إلى الظن بأننا بدعوتنا إلى إدراك أبعاد عملية البلاغ، وامتلاك وسائلها، وتحصيل الحكمة في ممارستها إنما ندعو إلى إيثار الراحة وركوب المركب الهين السهل، والهروب من تكاليف الدعوة إلى الله ومسئولياتها وما يمكن أن يترتب عليها من تضحيات، أو يعتبر ذلك رد فعل لواقع معين أو لاجتهاد معين، ولا يستطيع أن يتجاوز فهمه هـو للإسلام الذي اختاره وانتهى إليه حتى أصبح المقياس الذي تقاس به فهوم الناس جميعا [ ص: 82 ] والحقيقة التي يجب أن تكون واضحة ابتداء: أن عملية البلاغ هـي مهمة الأنبياء، من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن التضحيات والمسئوليات التي تحملها الأنبياء ومن يسيرون على طريقهم نتيجة لذلك دليل على أنه الطريق الصحيح والمركب المأمون إلى الآخرة.. وأن الهروب منها أو العدول عنها وعدم القدرة على الصبر عليها بدعوى اختصار الطريق، أو تسريع السير، أو الحصول على وفرة في النتائج هـو في حقيقته: العدول عن الطريق الصحيح والقفز من فوق سنن الله، وعدم القدرة على التعامل معها، وعدم الطاقة على الالتزام بها، والهروب منها والانخداع بالفجر الكاذب..
إن قضية الإيمان بالله ونبذ العبوديات، ومن ثم القيام بعملية البلاغ المبين قد تكلف صاحبها حياته، بسبب من شراسة الذين استحوذ عليهم الشيطان فأضل أعمالهم فينقمون من المؤمن الداعي إلى الله لا لشيء وإنما لإيمانه، قال تعالى: ( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) (البروج: 8) ، ( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) (الحج: 40) .
قال صلى الله عليه وسلم : ( إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) وقال: ( سيد الشهداء حمزة ثم رجل قام إلى إمام ظالم فأمره ونهاه فقتله ) أمره ونهاه: بلغه الحق ونهاه عن الباطل، قام بعملية البلاغ التي كلفه الله بها ولم يتجاوزها فكان مصيره القتل..