الإعلام من أقوى الأسلحة المعاصرة
إن عملية البلاغ والقيام بمهمة الأنبياء ليست من السهولة بالقدر الذي يتراءى لبعض الناس، خاصة في هـذا الوقت الذي أصبح فيه الإعلام أقوى الأسلحة التي تمتلكها الدول وتحرص عليها وتتسابق في ميدانها، والتي يمكن أن تكون أشد فتكا من أسلحة الدمار والتدمير كافة، ذلك أن الإعلام لم يكتف بعمليات التضليل وقلب الحقائق إلى أباطيل وإنما تجاوز ذلك إلى مرحلة زرع الاهتمامات وإعادة صياغة الإنسان.
لقد أصبح فنا خطيرا، وظف الكثير من العلوم لخدمته، سواء في ذلك العلوم [ ص: 83 ] والدراسات الإنسانية كعلم النفس وعلم الاجتماع... أو العلوم والدراسات التجريبية، حيث أصبحت التكنولوجيا كلها في خدمته تقريبا.. ونحن لا نزال نرى عملية البلاغ المبين بوسائلها البسيطة والساذجة، وأنها من الأمور السهلة التي لا يميل إليها إلا من يؤثرون الراحة ويفرون من المسئولية والتضحية.. وقد يفهمها بعض المسلمين فهما ساذجا بسيطا لا تزيد أبعاده عن ارتداء لباس معين، والخروج والنوم في العراء، في هـذا العصر الإعلامي المعقد!!
فإذا عرفنا أن علم النفس وعلم الاجتماع وغيرهما من العلوم جاءت تاريخيا ثمرة لعمليات التنصير ، حيث كان لا بد للمنصرين من المعرفة المسبقة بعادات ونفسيات الأمم التي يمارسون عليها التنصير، وعرفنا الخلفية الحقيقية لعمليات الاستشراق التي كانت تدرس مكونات الشعوب وثقافتها وعقائدها وتراثها ومسارها الحضاري، ذلك أن المستشرقين ينتجون المواد والمنصرون يسوقونها ويمارسون عملهم على أساسها، وحسبنا أن نقول: إن كثيرا من دراساتهم لا تزال إلى الآن مرجعا لكثير من باحثينا لفقر المكتبة الإسلامية إلى أبحاث ناضجة في هـذا المجال، ومع ذلك لا نزال نعتقد أن عملية البلاغ التي ابتعث من أجلها الرسل عليهم الصلاة والسلام عملية بسيطة.. وكثير منا لا يقدر عليها ويحاول القفز من فوق السنن، ويظن أن عملية التغلب على الخصم إنما تتم بشدخ رأسه والقضاء عليه، بينما منهج النبوة والدنيا من حولنا تمارس تغييره من الداخل..
أين يمكننا أن نصنف صورة وواقع عملية البلاغ اليوم التي ابتعث من أجلها الرسل، وأنيطت بمن يسيرون على دربهم من المسلمين، من صورة الإعلام العالمي بكل طاغوته وطغيانه والمراحل التي قطعها صوب الإنسان حتى أوقعه في أسره، والوسائل المتخلفة التي نمارسها نحن المسلمين، ويحلو لبعضنا أن يطلق عليها تسمية (الإعلام الإسلامي) وكأن هـذه الصور الهزيلة والبدائية المتخلفة هـي الإعلام الإسلامي والبلاغ المبين التي أرادها الله للسائرين على طريقه!! وقد تكون الخطوة كبيرة والآثار خطيرة أن نأتي لصور من تخلفنا ونفضل عليها أثوابا ونرفع فوقها عناوين وشعارات لتصبح هـي الإسلام!!
والحقيقة أننا لا نزال دون سوية خطاب التكليف في قضية البلاغ المبين التي [ ص: 84 ] مضى على التكليف بها أربعة عشرة قرنا، وتخلفنا فيها لا يغتفر، وأن الكثير منا عدل عنها، أو هـون من شأنها ظنا منه بإمكانه القفز من فوقها..