عجمة اللسان تؤدي إلى عجمة القلب والفكر
ولقد حقق أصحاب هـذا الاتجاه معظم أهدافهم، ذلك أن دراسة العربية وعلومها بالشكل المطلوب أصبح معزولا عن مدارسنا وجامعاتنا، ومقتصرا على بعض المدارس الشرعية التقليدية، وفي حلقات المساجد، والكثير من العلوم والدراسات تقرر في عالمنا العربي والإسلامي باللغات الأجنبية، ولعل الجامعة الوحيدة التي تدرس العلوم بالعربية هـي جامعة دمشق، ولا زالت عملية ترجمة العلوم وتعريبها والجهود في هـذا المجال تعيش في الخطوط الخلفية للمجتمع العربي الإسلامي، وقليل من يستفيد منها، وإلى الآن لم تؤخذ بقوة..
ولقد تسللت المؤامرة على العربية إلى بعض الأجواء الإسلامية، وسقط في مناخها بعض الإسلاميين، وإنما أوتوا بسبب عدم معرفتهم العربية، فخرجوا على الناس بمسوغ أن لا مانع من إسلامية التفكير وأعجمية التعبير، لذلك نرى بعض دعاة الإسلام في هـذا العصر من ضحايا هـذه النظرة يحاولون الفصل العضوي، ويعيشون على ثقافة المترجمات ويعجزون عن الاتصال بالمنابع الأولى، وفاتهم أن التعبير يطبع التفكير، والتفكير يطبع التعبير، وأن التفاعلات النفسية والاجتماعية التي تترافق مع ألفاظ اللغة ومصطلحاتها أصبحت من القضايا الواضحة في هـذا العصر.. [ ص: 107 ]
ولا شك عندنا أن اللغة كائن حي يقوى بقوة الأمة، ويضعف بضعفها، وأنها الوعاء الذي حفظ للأمة عقيدتها وتراثها، والحصن الذي حمى قيمها من الاضمحلال والذوبان أمام الموجات الاستعمارية، وأن تراجع العربية هـو ثمرة لضعف الإسلام في نفوسنا، وأن العلوم الحديثة - التي تهتم بوسائل الإنسان جاء معظمها باللغات الأجنبية، وأن تخلفنا الحالي لا يسمح لنا بأن نكون من روادها، وعجزنا اللغوي يقصر بنا عن ترجمتها إلى العربية.. لذلك فإننا نتعلم من جانب ونتعجم من جانب آخر، وأن اللغة هـي وسيلة النقل الحضاري بين الأجيال، والخطورة بأن تقود عجمة اللسان إلى عجمة القلب والفكر، ويبقى تعلم اللغات الأخرى حاسة إضافية وضرورة للفرد المسلم، لكنه لا يجوز بحال من الأحوال أن يلغي حواسه الأصلية، أو أن يكون البديل عنها.. ذلك أن اللغة العربية هـي مستودع شعوري هـائل يحمل خصائص الأمة وتصوراتها وعقيدتها وتاريخها، وهذه الخصائص هـي التي تمثل روح الأمة المسلمة.
[صفر: 1403هـ - كانون الأول (ديسمبر) : 1982م] [ ص: 108 ]