إعادة تشكيل الرؤية الإسلامية
إن المقياس والميزان الذي يحكم أعمالنا وأقوالنا هـو ميزان الإسلام، وليس سلوك فرد أو جماعة أو مؤسسة مهما كان عنوانها كبيرا، ولا يمكن لأحد اليوم من القادرين على النظر والتبصر، الناظرين إلى مواقع العمل والجهاد في العالم الإسلامي، وبعض صور التضحية الرائعة التي تقدم النفس والمال، وتستسهل في سبيل الله كل شيء، وتستهين بالدنيا والتي يمكن أن تنتسب في إخلاصها [ ص: 123 ] وتضحيتها إلى عصر الصحابة والتابعين، لا يمكن لأحد أن يتهمها بعدم الإخلاص بعد هـذا الذي قدمته، وإنما تبقى المشكلة كل المشكلة بالقدرة على الصواب والتصويب وتحقيق الشروط الفنية، وحسن الاستفادة من هـذه الطاقات ووضعها في مكانها الذي هـو مسئولية القائمين على العمل الإسلامي، للأخذ بيد المخلصين في الطريق الصحيحة، وترجمة هـذا الإخلاص إلى مردود إسلامي يكون في مصلحة الإسلام والمسلمين.
وهنا نرى أنفسنا مضطرين إلى العودة أكثر من مرة إلى إيضاح مظهر من مظاهر القضية الثقافية نعاني منه على أكثر من مستوى، ونظن أنه يأتي في مقدمة المشكلات التي تجب معالجتها ومطاردتها، ونحن في الطريق إلى صياغة الفرد المسلم، وإعادة تشكيل الرؤية الإسلامية الشاملة.
إن الهروب من بحث المشكلة والتستر عليها، أو عدم إعطائها ما تستحق من المدارسة والدرس، والإيضاح والتدريب والأضواء الإضافية، يعني أول ما يعني: القبول بواقع المسلمين، ومواقع نشر الدعوة والعمل الإسلامي؛ وهذه تتلخص في السؤال التالي:
هل الانتماء للإسلام أم للجماعات والمؤسسات؟ وهل الالتزام بالأفكار أم بالأشخاص؟..
إن هـذه القضية لا تعتبر مشكلة من الناحية النظرية، ولو كان ذلك كذلك لكان بالإمكان الحصول على الجواب الصحيح بسهولة، لكنها تبقى مشكلة على مستوى الممارسة والتطبيق، وكثيرا ما استهلك المسلمون من أوقاتهم وجهودهم تاريخيا، ولم تكن المشكلة التي يعانون منها مشكلة أفكار وإنما كانت مشكلة الاختلاف على أشخاص وظفت لها الأفكار وفصلت عليها الأحكام، وامتلأت الساحة الإسلامية بكثير من الإقطاعات البشرية والولاءات الشخصية كانت السبب الكبير في التدمير والقيل والقال وضياع العمر وذهاب الأجر.