الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

أزمتنا الحضارية في ضوء سنة الله في الخلق

الدكتور / أحمد محمد كنعان

3 - تسييس العلم:

.. ومن العوامل الهامة، التي وقفت على مدار التاريخ حجر عثرة في طريق التقدم العلمي، وكشف سنن الله في الخلق - فيما نظن - أن الإنجازات العلمية ظلت ترتبط بالأهداف السياسية ( والعسكرية منها على وجه الخصوص ) ، أكثر من ارتباطها بأية أهداف أخرى، مما جعل مسيرة العلم تنحرف عن مسارها الصحيح، لتركز على أنواع معينة من الكشوف والاختراعات، وتغفل من ثم الجوانب الأهم والأكثر فائدة للبشرية.. فقد وجدنا مثلا أن أعظم الكشوف العلمية، تنمو وتترعرع في ظل السياسات العسكرية، فالحرب العالمية الثانية - على سبيل المثال - كانت من أهم الأسباب التي دفعت البشرية لدخول ( عصر الذرة ) ، وكان الدافع الأساسي لتفجير الذرة خوف الحلفاء من امتداد السيطرة النازية على العالم، مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الراحل ( روزفلت ) تجند كبار علمائها، إلى جانب عدد من العلماء الألمان، الذين فروا إليها من بطن الطاغية ( هـتلر ) ، ليعملوا على مدار الساعة في المشروع السري، الذي عرف آنذاك باسم ( مشروع مانهاتن ) وقد استطاع العلماء في فترة وجيزة جدا من الزمن، أن يحولوا معادلات الطاقة والمادة التي وضعها (آينشتاين) إلى حقيقة واقعة، واستطاعوا إجراء اول تجربة ذرية في التاريخ عام 1945م، في صحراء نيفادا، ولم يلبثوا أن حولوا هـذا [ ص: 93 ] الكشف العلمي الكبير إلى قنبلة رهيبة، ألقيت فوق مدينة ( هـيروشيما اليابانية، في الثامن من آب ( أغسطس ) من العام نفسه، وبعدها بأيام قليلة ألقيت القنبلة الثانية فوق مدينة ( ناغازاكي ) ، وبقية المأساة معروفة للجميع دون ريب.

وكما كانت الحرب العالمية الثانية وراء التعرف على الطاقة الذرية، كذلك كان التهديد بنشوب حرب عالمية ثالثة وراء التقدم العلمي في ميدان الفضاء.. فقد أصيب أرباب الحرب والسياسة بحمى التفوق العسكري، فراحوا يتسابقون في ميدان الفضاء، رغبة منهم في امتلاك السلاح الأسرع والأبعد مدى، إلى أن توجوا ذلك بالمشروع الأمريكي الشهير الذي عرف باسم ( حرب النجوم ) ، والذي استهدف فيما استهدف زرع الفضاء الخارجي حول الأرض برءوس نووية، قادرة على ضرب أية بقعة من الأرض في دقائق معدودات.

وقد كان من نتيجة حمى التسابق الفضائي، أن تطورت الصواريخ والأقمار الصناعية، والمركبات الفضائية، تطورا مذهلا، فاق كل التصورات والتوقعات، حتى أصبح الإنسان اليوم قادرا على الوصول إلى إية بقعة يريدها، ليس على سطح الأرض أو القمر، بل على سطح أي كوكب من كواكب منظومتنا الشمسية.

إن التقدم العلمي المذهل في مثل هـذه الميادين، ليكشف لنا عن حقيقة مفجعة حقا، وهي أن الإنسان يملك من الطاقات العقلية والمادية، ما يستطيع به أن يحقق ما يبدو مستحيلا، غير أنه (ولغاية في أنفس بعضهم) لا يستخدم هـذه الطاقات فيما يخدم حياته، بل يستخدمها بالاتجاه المضاد.

ومما لا ريب فيه أن علاج مشكلة صحية نفسية كالاكتئاب النفسي مثلا الذي يدفع آلاف المرضى النفسيين للانتحار سنويا، ليس أصعب، ولا أعقد من إنزال إنسان فوق القمر، أو إرسال مركبة فضائية إلى أطراف منظومتنا الشمسية. [ ص: 94 ] وهذا يعني إن الإنسان - لو أراد - لحقق الكثير من التقدم في ميادين العلم، التي لم تعط حتى الآن حقها من العناية والاهتمام، ومنها على سبيل المثال ميدانا علم النفس، وعلم الاجتماع، وغيرهما من الميادين، التي تتعلق مباشرة بحياة الإنسان.. لكن التقدم العلمي - للأسف الشديد - سار في اتجاه آخر، أدى إلى دخول البشرية جمعاء منعطفا خطيرا، بات يهددها بالفناء

ونعتقد أن تصحيح هـذا المسار لن يتم إلا باتخاذ العلماء أنفسهم موقفا حاسما، يحددون على أساسه أولويات الكشوف، التي تحتاجها البشرية فعلا، أما المواقف السلبية، التي غالبا ما يقفها العلماء، حتى بالنسبة للاكتشافات التي تتحقق على أيديهم، وتستنزف طاقاتهم وعقولهم، فإنها ليست في صالح التقدم العلمي، ولا في صالح البشرية؛ لأنها تتيح الفرصة أمام التجار والساسة ( أو الساسة التجار ) لاستغلال الكشوف العلمية في أحط الأغراض، وأبعدها عن الأخلاق النبيلة

وهذا مما يعوق التقدم العلمي، ويحول دون كشف السنن المتعلقة بجوانب هـامة جدا من حياة الإنسان. [ ص: 95 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية