الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

أزمتنا الحضارية في ضوء سنة الله في الخلق

الدكتور / أحمد محمد كنعان

الدعوة الأنموذج

وتعد دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، أنموذجا متفردا من حيث استفادتها من عامل الزمن، كما هـي متفردة من الجوانب المختلفة الأخرى.. فقد استطاعت هـذه الدعوة أن تحقق خلال عمرها القصير، الذي لم يتعد عقدين ونيفا من السنوات، مأثرة في التغيير مازالت آثارها باقية [ ص: 162 ] حتى يومنا هـذا، وسوف تبقى كذلك إلى آخر الزمان.. فقد غيرت هـذه الدعوة القبائل العربية، التي كانت تعيش على الغزو والسلب والنهب، فجعلت منهم أمة واحدة، يسود بين أفرادها المودة والرحمة والتعاطف والتكامل، بحيث أصبح المجتمع الإسلامي جسدا واحدا، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.. وهكذا نقلت هـذه الدعوة العرب من المرحلة القبلية، إلى مرحلة الأمة، في سنوات قليلة لا تعد شيئا في عمر الزمان، وإن هـذه النقلة – لعمري – نقلة متميزة، لم تستطع أية دعوة أخرى في تاريخ البشرية أن تحققها خلال تلك المدة الزمنية القياسية.

فكيف – ياترى – استطاعت دعوة محمد صلى الله عليه وسلم أن تحقق هـذه المأثرة؟

لا ريب في أنه توافر لهذه الدعوة عوامل عديدة بفضل الله، ساعدتها على اختصار عامل الزمن، وتعجيل الوصول إلى الأهداف المنشودة، ويأتي في مقدمة تلك العوامل عاملان، هـما:

أ – تأزيم الصراع الفكري ( أو العقيدي ) بين الجماعة المسلمة، وبين المشركين في مكة ، وقد تم ذلك على طريقة الرجل الصالح، الذي عرضنا قصته كما جاءت في سورة يس، أي بالجهر بالدعوة، ومقارعة الحجة بالحجة، مع الحرص على تجنب إقحام الصراعات القبلية في هـذه القضية، وتجنب الدخول في صراع مسلح، وبخاصة أن الجماعة المؤمنة لم تكن قد ملكت بعد عدة هـذا الصراع.. وقد انتهت هـذه المرحلة إلى تميز الجماعة المؤمنة، ووضوح الأصول العقيدية التي تدعو إليها، وختمت هـذه المرحلة بالهجرة إلى يثرب .

ب – وأما العامل الآخر الذي ساهم في اختزال الفترة الزمنية اللازمة للتغيير، فهو نزول أمر الله عز وجل بقتال المشركين، ومواجهتهم مواجهة عسكرية مسلحة، وقد تم ذلك بعد أن استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ، [ ص: 163 ] وأقام فيها دولة الإسلام، وأصبح له هـناك منعة، ودار وأنصار.. ويلاحظ عندما حدث الصدام المسلح بين معسكر الإيمان، ومعسكر الكفر، أن الصراع بينهما أخذ يزداد حدة، مما عجل في وضع النهاية المحتومة لمعسكر الكفر، الذي استسلم سريعا للدعوة الجديدة، وهذا ما حصل بفتح مكة المكرمة ، حين بدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجا، واستقر الأمر في الجزيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. وذلك كله في سنوات قليلة، ولكنها سنوات حافلة بالتخطيط والإعداد، والجهاد والتضحية

***


وبهذا نكون قد عرضنا – بشيء من التفصيل – الشروط التي تقوم عليها سنة التغيير الاجتماعي، وهي:

التالي السابق


الخدمات العلمية