التشتيت وزيادة القهر (1570م-1608م)
ابتدأت، قبيل انهيار ثورة غرناطة الكبرى (1568-1570م) مأساة جديدة لم ير شعب مثلها؛ ففي 5/3/1570م قرر المجلس الملكي الأسباني إقصاء المورسكيين من مملكة غرناطة وتوزيعهم على قشتالة [1]
وصدر أمر الملك بذلك في 28 / 10.. وفي 1 / 11، قبل استشهاد ابن عبو، ابتدأ جيش خوان النمساوي بجمع سكان القرى والمدن المورسكيين، ليقودهم بالقوة إلى أماكن تهجيرهم. وصدر القرار بمصادرة جميع أملاك المهجرين الثابتة، وسمح لهم بنقل أملاكهم المنقولة. وقد اعتقدت أسبانيا النصرانية حكومة وكنيسة، أن تشتيت الغرناطيين على أنحاء قشتالة هـو الحل النهائي لإدماجهم في المجتمع النصراني.
حدد القائمون على التهجير مراكز التجمع في السبع نقط التالية: غرناطة، وبسطة ، ووادي آش ، والمرية ، وبيرة ، ومالقة ، ورندة . وفي كل نقطة تجمع أساسية، عدد من النقاط الثانوية، تنكب فيها.. دامت المرحلة الأولى من التجمع أسبوعا كاملا، أذاق فيها الجيش أهل الأندلس صنوفا من العذاب لا توصف. فجمع حوالي 46.000 شخص، بينما التحق آخرون بالجبال، حيث انضموا للمقاومة. ثم ابتدأت مرحلة التهجير الثانية، بنقل المهجرين مشيا باتجاه الشمال والغرب، في قوافل تتكون كل واحدة منها من حوالي 1500 أندلسي و 200 عسكري نصراني. تتبعها عربات تحمل أمتعة المهجرين. فمشى المهجرون تحت المطر والثلج الأسابيع المتواصلة، رغم أن جلهم كانوا من الشيوخ والنساء [ ص: 47 ] والأطفال، مات منهم في الطريق عشرهم، ووصل منهم 21.000 إلى البسيط ، و6.000 إلى طليطلة ، و22.000 إلى قرطبة ، و5.500 إلى إشبيلية .
وابتدأت المرحلة الثالثة من التهجير، بالتشتيت من مراكز الوصول الأساسية الأربعة إلى مراكز ثانوية.. ثم تبعتها المرحلة الرابعة، بتوزيع المهجرين على المدن والقرى الثانوية، لتكون نسبتهم من السكان أقل ما يمكن. ولم تنته هـذه العملية إلا في 20 / 12/1570م. ولم يبق من المهجرين بعد هـذه المآسي، سوى حوالي 33.000 شخص في حالة يرثى له، من الجوع والفقر، والمرض، والبؤس. بينما مات منهم 17.000 شخص. وفي 22 / 11/1571م قررت الحكومة مرة أخرى تهجير الغرناطيين من مناطق الأندلس القديمة إلى قشتالة . ولم تنته عمليات تهجير أهل مملكة غرناطة إلا سنة 1574م. وهجر بذلك ما مجموعه حوالي 80.000 غرناطي [2]
وحيث إن عدد أهل غرناطة كان أكثر من هـذا، يظهر أن الدولة عملت على القضاء على القوى الحية في المجتمع الغرناطي، بتهجيرها وتشتيتها، وليس على تفريغ مملكة غرناطة من سكانها.
وفي 24/2/1571، صدر مرسوم ملكي جديد بمصادرة أملاك الغرناطيين، المجاهدين منهم والمسالمين، المنقولة وغير المنقولة، وجعلها ملكا للملك. وعين الملك مجلسا لإعادة تعمير مملكة غرناطة برئاسة رئيس ( محكمة التفتيش ) . فاستقطب 50.000 نصراني من الشمال، وزع عليهم بعض أملاك الغرناطيين. لكن حركة الاستيطان هـذه فشلت، لقلة دراية المستوطنين الجدد بالزراعة. فرجع أكثرهم إلى قراهم بالشمال. بينما رجع لغرناطة عدد من المهجرين المسلمين. وبقي في غرناطة معظم مسلميها، إما متسترين كنصارى، [ ص: 48 ] أو مختبئين في الجبال، حيث كونوا فرقا فدائية، تزرع الرعب في أوساط الكنيسة والدولة والمستوطنين الجدد.
دامت حركة الفداء الإسلامية في الأندلس إلى أواخر القرن السادس عشر الميلادي، وشملت كل مقاطعات أسبانيا ، ولم تستطع الدولة القضاء على الفدائيين، الذين يسهل عليهم التمون من الأرض وسكانها، رغم مجهوداتها الضخمة؛ ففي مناطق حكم قشتالة ، نشرت فرق الزريق الرعب في منطقة المرية بين سنتي 1571 و1573م، وجاهدت فرق ابن المليح في منطقة رندة بين سنتي 1573 و1576م.
ولما قررت الحكومة من جديد تهجير الغرناطيين من منطقة الأندلس القديمة، تدخلت المجالس البلدية وعارضت القرار، فلم يطبق بصفة فعلية. وتدخلت كذلك السلطات المحلية في مملكة مرسية ، لمنع تنفيذ قرار إخراج الغرناطيين. ورجع عدد كبير من المهجرين، خاصة من مقاطعة جيان ، إلى مملكة غرناطة ، وعملت الدولة والكنيسة على مقاومة هـذا الرجوع، بينما تدخلت السلطات المحلية في مملكة غرناطة في تيسيره. وتتابعت أوامر الطرد بين سنتي 1576 و1585م. وأخذت الحكومة المهجرين إلى مناجم المعدن الرهيبة، التي لم يكن يمكث العامل فيها أكثر من سنتين، ويموت بسبب أوضاع العمل السيئة.
كانت السلطات الأسبانية الحكومية، والكنيسة، تخاف خوفا شديدا من تجمع الأندلسين، خاصة الغرناطيين منهم، عبيدا كانوا أم أحرارا. فهي تشتتهم كلما اجتمعوا.. ولمنعهم من الاتصال بمسلمي أراغون وشمالي أفريقيا ، أخرجتهم من المدن والقرى الشاطئية. وكانت الدولة تخاف أكثر ما تخاف من اتصال المورسكيين بالدولة العثمانية .
أدى نقل الغرناطيين إلى قشتالة إلى إحياء الروح الإسلامية في الجاليات القشتالية المدجنة، وسهولة الاتصال بين كل مسلمي أسبانيا، وتقوية روح الفداء والأخوة بينهم. وعاش مسلمو قشتالة بأمل إحياء الدولة الأندلسية الإسلامية، تقويه أخبار انتصارات العثمانيين على النصارى . وعاش النصارى مع المسلمين في قشتالة في جو من الإشاعات والمؤامرات، كما حدث سنة 1580م [ ص: 49 ] عندما اكتشفت الدولة مؤامرة في إشبيلية تخطط لإنزال متطوعين مغاربة على مصب الوادي الكبير.
ونشطت حركة جهاد ( المنفيين ) في مناطق بلد الوليد ، وبشترنة ، وبطليوس ، وأبدة ، وإشبيلية بمملكة قشتالة ، ومنذ سنة 1572م، أخذت الدولة تقنن اضطهاد الأندلسيين في قوانين هـمجية؛ فعلى أهل كل بلدة تسجيل أسمائهم وأوصافهم ونبذة عن حياتهم، لمراقبة تحركاتهم، ومنعهم من التجمع في أحياء خاصة بهم. وأصدرت الدولة قوانين صارمة، لعقوبة كل من يرجع إلى غرناطة ، أو يظهر عليه ارتباط بالإسلام أو ثقافته. وقررت الكنيسة أخذ جميع أطفال المسلمين لتربيتهم على تعاليمها، كما باعت عددا منهم كعبيد للنصارى القدامى. وتابع ( ديوان التفتيش ) مطاردة المسلمين دون هـوادة؛ ففي سنة 1591م وحدها مثلا، سجلت وثائقه 291 قضية ضد المسلمين.
بعد أن هـجر أهل غرناطة، وأضعفت مقاومتهم، انتقلت القيادة الإسلامية إلى مسلمي مملكة أراغون ، فأصبحوا شغل الدولة الشاغل. وكانوا قد عاشوا عدة قرون مع النصارى كمدجنين، دون أن يقل تشبثهم بالإسلام في شيء، ورغم رفضهم المشاركة في ثورة غرناطة الكبرى . وكانت أعدادهم كبيرة، ونسبهم من بين السكان مرتفعة. وكانوا أهل زراعة، يعملون للنبلاء النصارى، ويدفعون ضرائب باهظة. وأدى جهاد غرناطة إلى تقوية الشعور الإسلامي بينهم. وكانت الدولة والكنيسة تخشيان هـذا التأثير الغرناطي عليهم. وقد وجد مسلمو غرناطة الملجأ والمساندة من إخوانهم في أراغون، رغم منع الدولة الاتصال بينهم.
واغتنم بعض النصارى حرب غرناطة للهجوم على المسلمين، لسلب أموالهم، وسبي أبنائهم ونسائهم، وبيعهم كعبيد، خاصة لاجئي غرناطة. فكانوا يساقون إلى سوق النخاسة، فيجتهد إخوانهم في أراغون في شرائهم لتحريرهم. لكن الدولة منعت -عندما عرفت ذلك- المسلمين من اقتناء العبيد.
وبعد أن حرر العثمانيون تونس وحلق الوادي ، من يد الأسبان سنة 1574م، زاد الرعب من إنزال عثماني في مملكة بلنسية ، بمساندة المسلمين الذين [ ص: 50 ] كانوا يكونون ثلث سكانها، وربع سكان مملكة أراغون القديمة . فقرر الملك في 9 / 10/1575م منع المسلمين من سكنى الشواطئ، فأجلوا عنها. وأخذت الشائعات تنتشر بقرب تحالف ثلاثي بين المورسكيين والعثمانيين ، وبروتستانت فرنسا (الهوكونو) ، عندما اكتشفت شبكات اتصالات بينهم. فزادت الدولة والكنيسة من اضطهاد مسلمي أراغون، وأمرت سنة 1575م بنزع سلاحهم، لتركهم فريسة سهلة للمجرمين والمنتقمين والطامعين من النصارى .
وفي سنة 1585م اندلعت حرب أهلية بين نصارى أراغون القديمة ( سرقسطة ) الساكنين في الجبال، ومسلميها الساكنين في السهول، دامت إلى سنة 1588م، ثم تحول المسلمون إلى حرب عصابات دامت إلى سنة 1591م. وانتشر كذلك الفداء في مملكة بلنسية ، بين سنتي 1580م و1590م. وتابعت الكنيسة حملات التنصير بطرق قمعية، تزيد شراسة كل سنة، للقضاء على العادات الإسلامية. وأصبح التنصير سلاحا في يد الرهبان، لاستنزاف أموال المسلمين، حيث يئسوا من نقلهم إلى النصرانية. ولم ينج من متابعات محاكم التفتيش لا أقوياء المسلمين ولا ضعفاءهم. ولم يكن يدافع عنهم أحيانا ضد تجاوزات الدولة سوى النبلاء، لا محبة فيهم، ولكن خوفا على مصالحهم؛ لأن النبلاء كانوا يعيشون عالة على المسلمين، الذي يزرعون الأراضي ويقومون بكل المهن.
وظلت لمسلمي أسبانيا في هـذه الفترة صلات وثيقة مع الثلاث جهات المعادية لأسبانيا: الدولة العثمانية، كأكبر قوة إسلامية في البحر الأبيض المتوسط؛ والمملكة المغربية، التي هـي الدعم الطبيعي لمسلمي الأندلس عبر التاريخ، وهوكونو فرنسا، الذين يشاركونهم في عدواتهم للكاثوليك.
ابتدأت علاقة الأندلسيين بالدولة العثمانية منذ سقوط غرناطة ، وتزايد أملهم في نصرتها لهم بتزايد قوتها. وبعد انهيار ثورة غرناطة الكبرى سنة 1570م، عملت السفن العثمانية على حمل اللاجئين، وتحول مركز المقاومة إلى بلنسية. وقدر عدد الحملات العثمانية على الشواطئ الأسبانية، بين سنتي 1528م و1584م بحوالي 33 حملة. وفي سنة 1575م توصل قضاة محاكم التفتيش في [ ص: 51 ] سرقسطة وبلنسية بأخبار مفادها أن المسلمين يهيئون لثورة شاملة بتأطير غرناطي، وإنزال بحري عثماني [3] ، وأرسل مورسكيو سرقسطة سفارة إلى الباب العالي يطلبون المال والسلاح. وتجددت الأنباء بين عامي 1578م و1580م عن تبادل مبعوثين بين الدولة العثمانية ومسلمي بلنسية وسرقسطة. ولكن أمل المسلمين بوصول الأسطول العثماني لتحريرهم لم يتحقق قط.
أما علاقة الأندلسيين بالدولة السعدية بالمغرب فلم تكن جيدة. نعم كانت لانتصارات محمد الشيخ ضد البرتغاليين أحسن الأثر لدى الأندلسيين، فأيدوه تأييدا كاملا، كرجل الجهاد المدافع عن المغرب والمنقذ للأندلس . وحاول محمد الشيخ التحالف مع العثمانيين لإنقاذ الأندلسيين، لكن خوفه منهم أوقفه عن ذلك. وتحول هـذا الخوف إلى خيانة أمام الغالب الذي تحالف ضمنيا مع الأسبان ضد المصالح العليا لكل من المغرب والأمة الأندلسية، والإسلامية بصفة عامة. وخلفه المتوكل في نفس السياسة إلى أن هـزم مع حلفائه البرتغاليين، وقتل في معركة وادي المخازن سنة 986هـ-1578م. وساند الأندلسيون أبا مروان المعتصم ، إلى أن بويع سلطانا على المغرب سنة 1576م. ثم ساندوا عبد الملك ، فأصبح الأندلسيون ركنا قويا من أركان دولته وجيشه. لكنه غدر بهم وتعاقد مع الأسبان في حلف ضد العثمانيين، وضد المقاومة الأندلسية.
ولم تكن معركة وادي المخازن انتصارا للمغرب على البرتغال فحسب، بل كانت كذلك انتصارا للمسلمين على النصارى ، إذ كان الجيش البرتغالي يضم أعدادا كبيرة من المتطوعين الأسبان وغيرهم من الأوروبيين، بينما جاهد الأندلسيون مع المغاربة ببسالة واستماتة. وبعد المعركة تابع السلطان أحمد المنصور نفس السياسة في مهادنة الأسبان ضد الأندلسيين والعثمانيين، واستعمال المهاجرين الأندلسيين في حروبه الداخلية، وفي غزو مملكة السونغاي المسلمة بتنبكتو .
ومنذ سنة 1570م أخذ مسلمو أراغون القديمة ( سرقسطة ) يرسلون [ ص: 52 ] سفراءهم إلى بيارن بفرنسا ، لربط تحالف مع الهوكونو ضد أسبانيا . وفي سنة 1571م توصلت الدولة الأسبانية بأخبار مفادها قرب وقوع هـجوم على السواحل البلنسية من الجزائر ، مقترن بغزو لأراغون القديمة من طرف حاكم بيارن. وساند هـوكونو فرنسا مسلمي أراغون القديمة في حربهم الأهلية ضد النصارى الجبليين بين عامي 1585م و1588م. وفي سنتي 1592م و1593م، انتشر الرعب في أسبانيا عندما لجأ أحد زعماء المسلمين الأراغونين إلى فرنسا. وحصل على وعد أمير بيارن، بالمساندة في حالة ثورتهم. وفي سنة 1605م اكتشف ديوان التفتيش تخطيطا لثورة المسلمين في مملكتي بلنسية وأراغون القديمة، يتزامن مع إنزال فرنسي في شواطئ بلنسية. ولكن لم يفعل الفرنسيون شيئا لصالح المورسكيين ، إذ يبدو أنهم أرادوا استعمالهم فقط لتخويف الأسبان، وخلق مشاكل لهم عند الضرورة للحصول على مكاسب منهم بأرخص الأثمان.
ولم يدخل القرن السابع عشر الميلادي حتى وصلت الكنيسة والدولة في أسبانيا إلى يأس تام من تنصير المسلمين، قبل أن ييأس الأندلسيون من تخليص أنفسهم من الاستعباد النصراني، فانهزمت الكنيسة أمام ثباتهم على الإسلام، وارتعبت الدولة منهم على ضعفهم، وقلة حيلتهم، وهوانهم على الناس، كلما اكتشفت أو تخيلت مؤامرة ضدها من طرفهم. وعندما وصل اليأس بالدولة والكنيسة إلى هـذه الدرجة، أخذوا يفكرون في حل جذري لوجودهم. وانقسمت الاقتراحات إلى ثلاثة حلول: جمع جميع المورسكيين في أحياء خاصة بهم؛ أو إفنائهم، أو طردهم خارج أسبانيا.
وساند الحل الثالث أكثر رجال الدولة والكنيسة. وابتدات فكرته تتبلور منذ اجتماعات الأشبونة الكهنوتية التي حضرها الملك فليبي الثاني ، بعد هـزيمة النصارى في وادي المخازن على يد المغرب . وفي 4 / 12/1581م، كون الملك لجنة لدراسة وضع الدولة الداخلي والخارجي الناتج عن (الخطر المورسكي) ، توصلت إلى توصية الملك بطرد جميع المورسكيين خارج أسبانيا. وتدارس مجلس الدولة محاسن ومساوئ الاقتراح، فرأى أعضاؤه أن معظم مساوئه اقتصادية بسبب انخفاض دخل الملك والنبلاء في حال طردهم، وسياسية بسبب احتمال [ ص: 53 ] حدوث اضطرابات عند إخراجهم، ودينية بسبب خسارة (أرواح المورسكيين نهائيا للدين النصراني) . ورأى أعضاء المجلس أن كل هـذه المساوئ لا تساوي المحاسن التي تترتب عن الطرد، وهي أن يعم السلام والوحدة الدينية البلاد، لذا وافقوا جميعا على مقترح الطرد. فأصدر الملك في 18/1/1585م أمرا بطرد جميع المورسكيين في ظرف شهرين، والحكم بإعدام كل متخلف، واستثنى الأمر الأطفال من الطرد، وقرر تسليمهم للكنيسة لتنشئتهم على الدين النصراني.
ورغم القرار، تردد الملك في تنفيذه، وترك الوضع معلقا. فعادت الكنيسة إلى أمل تنصير المورسكيين.. في 17 / 9/1587م أصدر مجلس الدولة توصية بإجراء حملة تنصير جديدة بينهم. ودام الوضع على هـذا الحال إلى أن مات فليبي الثاني سنة 1598م، وخلفه ابنه فليبي الثالث الذي كان عكس والده منعدم الشخصية ضعيف الإرادة.
وفي 30/1/1599م عقد مجلس الدولة اجتماعا آخر في موضوع المورسكيين، وقرر طرد الرجال الذين تفوق أعمارهم 60 سنة والنساء، وإرسال الباقين للأشغال الشاقة فوق السفن مدى الحياة، وإعطاء الأطفال دون 15 سنة للكنيسة، ومصادرة جميع أموالهم. ثم اقترح وزير الملك إعدام الرجال بين 15 و60 سنة عوضا عن طردهم وتقوية جيوش الأعداء بهم. ولكن لم يطبق شيء من هـذا القرار.
وفي 3/1/1602م، بعد فشل هـجوم أسبانيا على الجزائر ، اقترح مجلس الدولة طرد جميع المورسكين ، ابتداء من مملكتي بلنسية وأراغون القديمة ، ووافق بعض أعضائه على نقلهم إلى شمالي أفريقيا ، شريطة الاحتفاظ بأطفالهم. ولكن ترددت الكنيسة في الموافقة على القرار، إذ رأت أن (من الفظاعة طرد رجال ونساء نصروا إلى بلاد المسلمين، وإجبارهم بذلك على الدخول في الإسلام) . وأوصى البابا في رسالة في 5/1606م بالتركيز على تنصيرهم تنصيرا جيدا. ولم تأخذ الأوضاع مجرى جديدا إلا بدخول سنة 1608م. [ ص: 54 ]