الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

الصحوة الإسلامية في الأندلس اليوم (جذورها ومسارها )

الدكتور / علي المنتصر الكتاني

الأيام الأولى في إشبيلية

انبثقت ( الجماعة الإسلامية في الأندلس ) عن تجربة أندلسية بحتة، وتكونت كنتيجة طبيعية للحركة القومية الأندلسية، ذات الجذور الإسلامية. وتعد (الجماعة) نفسها حركة إسلامية أندلسية ذات أصالة في أرض الأندلس ، وترى في بلاس أنفانتي مؤسسها الأول ووالدها الروحي. وتعتقد (الجماعة) أن القوميين الأندلسيين المعاصرين المدعين اتباع أنفانتي، لم يطبقوا إلا بعض أفكاره السياسية، وتجاهلوا أفكاره حول الهوية الأندلسية، وضرورة استعادتها بتعريف أهل الأندلس بتاريخهم الإسلامي، وبالعقيدة الإسلامية، وتعليمهم اللغة العربية، وفتح مجال الرجوع إلى الإسلام لمن يريد ذلك.

مر مؤسسو (الجماعة) بثلاث مراحل: ابتدأوا حياتهم العامة في الأحزاب اليسارية، ثم تحولوا إلى الأحزاب القومية الأندلسية، ومنها إلى الإسلام. وانحدر معظمهم من عائلات مثقفة، كان لها نشاط في الحركات اليسارية والأناركية والقومية. وولد معظمهم بعد سنة 1950 أو 1960م. وبعد سنة 1965م، انضم عدد منهم إلى (اتحاد الشبيبة الشيوعية) ، أو (لجان الشبيبة العمالية) ، أو ( الحزب الشيوعي الأسباني ) . وكانت الأحزاب اليسارية آنذاك خاصة الحزب الشيوعي، تستقطب الشبيبة الأندلسية، المتأثرة بانتفاضة مايو عام 1968م للحركة الطلابية الفرنسية، والتي كانت تؤمن بقدرتها على مجابهة حكم فرانكو الدكتاتوري .

وعندما تحررت الساحة السياسية الأسبانية بعد وفاة فرانكو سنة 1975م، أخذ بعض الشباب الأندلسي، المنخرط في الحزب الشيوعي، يشعر بخيبة الأمل فيه، ويرونه كالأحزاب الأخرى في تنظيمه الهرمي، ودكتاتوريته الداخلية، كما اكتشفوا عدم وجود برنامج خاص بالأندلس له، ولا أي شعور بالهوية الأندلسية المميزة. فانضم بعض هـؤلاء الشباب إلى أحزاب أكثر يسارية كـ (شباب الحراس الحمر لأسبانيا) و (حزب العمل الأسباني) ، وأسس بعضهم الآخر حركة ثقافية لاسترجاع الثقافة الأندلسية. [ ص: 116 ] وفي سنة 1976م، تحولت الحركة الثقافية إلى حركة سياسية، تحت اسم ( حزب الأندلس الاشتراكي الموحد ) . ولم يعش هـذا الحزب طويلا، فانحل واجتمعت بعض عناصره بعناصر منشقة من ( الحزب الأندلسي ) في مالقة ، وغرناطة ، وإشبيلية ، وأسسوا جميعا، في نفس السنة، ( جبهة تحرير الأندلس ) ، كحزب ذي اتجاه قومي صريح، يطالب باستقلال الأندلس ، والعودة إلى أصالتها.

وفي سنة 1977م توسع هـذا التجمع في اجتماع عام، ضم جماعات منفصلة عن ( اتحاد الشبيبة الشيوعية في الأندلس ) ، و ( شباب الحراس الحمر لأسبانيا ) ، و ( الحزب العمالي للتوحيد الماركسي ) ، و ( الكنفدرالية القومية للعمل ) ذات الاتجاه الأناركي ، فتحولت (جبهة تحرير الأندلس) بدخول العناصر المذكورة إلى (الجبهة الأندلسية للتحرير) برئاسة أنطونيو مدينة مليرة ، وأصبحت أهم منظمة شبابية أندلسية. وقد اضطهدت حكومة سوارز هـذه الجبهة، وتابعت أفرادها، خاصة رئيسها. وواجهت الجبهة صعوبات مادية جمة، أدت بعد مدة وجيزة إلى انقسامها إلى ثلاثة فصائل:

1- القوميون الأندلسيون ، الذين يطالبون بتعريب الأندلس لغويا، واسترجاع الهوية الأندلسية على أساس عقيدة التوحيد.

2- البيئيون ذوو الصلة الوثيقة بالحركات الأوروبية البيئية (الخضر) والحركات التي تسمى بالجديدة.

3- مجموعة صغيرة من التابعين للحركات العمالية التقلدية في تنظيمها وبرامجها وطريقة نضالها.

وفي سنة 1978م، أدت هـذه الانشقاقات إلى حل (الجبهة الأندلسية للتحرير) ، كما انحل (حزب العمل الأسباني) ، فتوحدت عناصر من الحزبين المنحلين في تنظيم جديد: ( حزب التحرير الأندلسي ) . وكان داخل الحزب الجديد اتجاهان سياسيان، أحدهما قومي أندلسي، والثاني شيوعي. وأصبح القوميون يستعملون داخل الحزب الشعارات الإسلامية، ورسموها مرة على إحدى كنائس إشبيلية، فعارض ذلك شيوعيو الحزب، مما أدى إلى انشقاق الحزب وحله سنة 1980م. فكون القوميون ( مجموعة الأزهر ) بهدف العمل [ ص: 117 ] على إعادة بناء أندلس مستقلة، عن طريق البحث عن الهوية الضائعة، دون العمل السياسي، وركزوا على دارسة كتابات ( بلاس أنفانتي ) و ( اقناسيو ايلاكوي ) وغيرهما.

وفي شهر غشت عام 1981م أشهر أنطونيو مدينة مليرة إسلامه في مركز ( جماعة إشبيلية الإسلامية ) ، وانضم بذلك إليها، وسمى نفسه عبد الرحمن. وصل عبد الرحمن مدينة مليرة إلى الإسلام، بعد نضال طويل، واقتناع كامل بمبادئه. فقد ولد في 5/8/1952م بمدينة غافق ( مقاطعة قرطبة ) ، من رفائيل مدينة مسة ، أحد تجار غافق الميسورين، ومارية مليرة قومس . وتعتبر عائلتا أمه ووالده بجذورهما المورسكية، كما كان لها نشاط في الحركات الأناركية . وقد نشأ عبد الرحمن نشأة علم ودراسة، وتخرج من أفضل الجامعات في التاريخ الأندلسي، ومقارنة الأديان.

وفي سنة 1965م ابتدأ عبد الرحمن مدينة حياته العامة، ولا يزيد عمره عن 13 سنة، كعضو في ( لجان الشبيبة العمالية ) ، و ( اتحاد الشبيبة الشيوعي ) ، و ( الحزب الشيوعي ) ، وسجن وعذب أيام فرانكو . وفي سنة 1975م، كان مدينة رئيس الجماعة التي تركت (الحزب الشيوعي) ، لتكوين ( حزب الأندلس الاشتراكي الموحد ) ، ثم ( جبهة تحرير الأندلس ) ، ثم ( الجبهة الأندلسية للتحرير ) . وفي سنة 1978م ترأس ( حزب التحرير الأندلسي ) . ثم ابتعد مدينة عن السياسة، وأسس شركة نشر سماها (مكتبة المنشورات الأندلسية) ، حيث نشر كتابيه (تاريخ الأندلس العام) في ست مجلدات، و (المعجم الأندلسي) . وبعد محاولة جديدة لإحياء (جبهة تحرير الأندلس) سنة 1979م، توصل مدينة إلى الاقتناع بالإسلام كدين متكامل، لتحرير الإنسان من الظلم والعدوان، وفي غشت سنة 1981م، قرر إشهار إسلامه والانضمام إلى ( جماعة إشبيلية الإسلامية ) ، واختار اسم عبد الرحمن تيمنا باسم عبد الرحمن الغافقي .

كان قرار عبد الرحمن مدينة باعتناق الإسلام قرارا فرديا، ولم يكن يفكر أول الأمر في دعوة أصدقائه للإسلام. وبعد شهور، أخذ زملاؤه في الحركة القومية الأندلسية يسألونه عن سبب تغيره. وفي 17/1/1982م، قرر اثنان آخران من [ ص: 118 ] زملائه اعتناق الإسلام، هـما محمد المعتمد سانشس كستيانوس (كان اسمه الفونسو) ، وأبو ياسر رينا أندرادي (كان اسمه سالبطور) ، وذلك بمركز ( جماعة إشبيلية الإسلامية ) على يد عبد الحق اسبينوزا ، وعبد الهادي سانز كيمنو . ولد محمد المعتمد في 10/5/1961م في إشبيلية من المهندس فرانسسكو سانشس دلفيون وروزاريو كستيانوس كوركويرة . وفي سنة 1975م ابتدأ نشاطه السياسي في ( شباب الحراس الحمر لأسبانيا ) ، و ( حزب العمل الأسباني ) . وانضم سنة 1972م إلى ( حزب التحرير الأندلسي ) . وفي سنة 1980م كان ممن أسسوا مجموعة (الأزهر) . وولد أبو ياسر بإشبيلية في 11/4/1962م من سلبطور رينا كالدرون ، وهو مدير صناعي أصله من بلدة مورور ، وروزاريو أندرادي غانولفو ، أصلها من رندة . وفي سنة 1979م ابتدأ حياته العامة بالانضمام إلى (حزب التحرير الأندلسي) .

ثم اعتنق الشباب القومي الأندلسي، الواحد تلو الآخر، الإسلام: فتحية بيادراس مارتش ، وأمية لاهوس بارياس ، واختها مريم ، ومنصور القرطبي .. إلخ.. وأدى دخول هـذه الأعداد الجديدة في ( جماعة إشبيلية الإسلامية ) إلى مشاكل جمة: فمؤسسو (الجماعة) ، قدم معظمهم من أوساط ذات مستوى ثقافي محدود خارج الأندلس ، من مجرط ، وأوسكادي ، وسبتة وغيرها، وكانوا لا يرون في تاريخ الأندلس فائدة لعودة الإسلام لها، ويعتقدون أن الانتماء الأندلسي إنما هـو عصبية قومية، تفتت من وحدة مسلمي أسبانيا ، وأن الأندلسيين القدامي أضاعوا الأندلس لضعف إسلامهم. وكان تنظيمهم هـرميا، ينتخبون أميرا ينظم أمورهم. أما المجموعة الأندلسية الجديدة، فكان معظمهم جامعيين ذوي تاريخ في الحركة القومية الأندلسية، رغم صغر سنهم. وكان تنظيمهم شوريا، يكرهون كل ما له صلة بمركزية في السلطة. وكانوا يرون في الإسلام قوة محررة لأشخاصهم، وبلدهم الأندلس. فهم، مع إيمانهم بعالمية الإسلام، يرون أن الأندلسيين المعاصرين شعب مسلم، اضطر إلى نسيان عقيدته وهويته، نتيجة الجهل الذي أجبر عليه، بعد قرون من الاضطهاد. فواجب المسلمين الأندلسيين هـو الاندماج في المجتمع الأندلسي ومساعدته، على التعرف على جذوره، لذا اعتقدوا من أول وهلة، أن الحركة القومية الأندلسية لا محالة [ ص: 119 ] تصل إلى الإسلام، وأنهم هـم نخبة المجتمع الأندلسي بقبولهم الإسلام، كقوة محررة، بعد قرون من الجهل والظلم، وأن من واجبهم مساعدة مواطنيهم على اتباع نفس الطريق.

وفي يناير سنة 1982م أدت هـذه التناقضات إلى انشقاق الطرفين، حيث توقف الأندلسيون عن الذهاب إلى مركز ( جماعة إشبيلية الإسلامية ) . وفي 22/6/1982م فتح الأندلسيون مركزا خاصا بهم، في بيت برقم 3 شارع بردي (الأخضر) بإشبيلية . وكان عددهم آنذاك لا يزيد على الستة المذكورين أعلاه، وأصبحوا يسمون أنفسهم ( الجماعة الإسلامية في الأندلس ) (ويستعملون دون غيرهم اللفظ العربي لكلمة الجماعة) .

أخذت أعداد (الجماعة الإسلامية في الأندلس) تتكاثر بعد الانتقال إلى مركزها الخاص، بانضمام أعداد متزايدة من الشباب الأندلسي لها، بينما لم يزد أعضاء (جماعة إشبيلية الإسلامية) ، مما أزم العلاقة بين المجموعتين. وعملت (الجماعة الإسلامية في الأندلس) على تعلم الدين الإسلامي، بمجهود طالب فلسطيني عضو في فرع إشبيلية لـ (الجمعية الإسلامية في أسبانيا) اسمه هـلال أبو جمل ، عمل معلما للجماعة، ومرشدا لها، وإماما.

وأخذت تظهر (الجماعة الإسلامية في الأندلس) في الصحافة عن طريق كتابات عبد الرحمن مدينة . وذلك أن أحد المؤرخين المتعصبين، واسمه كلاوديو سانشس البرنص ، كتب، مقالا، في شهر أبريل سنة 1982م في جريدة (دياريو 16) حول (إعادة احتلال الأندلس) (أي من طرف المسلمين) ، قال فيه عن التاريخ الأندلسي: (كان المجتمع الإسلامي في أسبانيا عقيما، هـمجيا، عديم الحضارة والحريات، فاسدا. ومن حسن الحظ أن المسلمين طردوا". ثم قال: "لا يا أصدقائي الأندلسييين، انسوا تلك الساعات القديمة الماضية! وأنتن يا لولا ويا كارمن ويا روزاريو ويا آنا، أنتن اللائي يتغنى بكن مانولو ماشادو، اللآتي تضئن الأندلس، هـل تردن من جديد أن تصبحن أدوات لذة بين الحريم؟ هـل تردن العودة إلى سوق النخاسين؟".

وأتبع البرنص مقاله بسلسلة من المقالات المعادية للمسلمين الأندلسيين والإسلام، وانضم إليه جماعة من طينته، في حملة مسعورة ضد الإسلام [ ص: 120 ] والجمعيات الإسلامية الأندلسية؛ ففي مقال (بدياريو 16) ، نشر البرنص مقالا تحت عنوان (المسلمون الأندلسيون الجدد) [1]

يرد فيه على رد المسلمين على مقالاته الصليبية. ابتدأ مقاله بدعوة: أن الإسلام أخذ ينتشر في الأندلس بسبب (دولارات البترول) ، وادعى أنه كان طوال حياته من دعاة حرية العقيدة، بما فيها العقيدة الإسلامية. ولكنه قال: (إن من حقي وواجبي الوقوف في وجه الأخوة في الوطن، الذين يبيعون ضمائرهم، ويتحولون عن دينهم التاريخي، لينضموا إلى دين لا يعونونه، كل ذلك من أجل حفنة من الدولارات! ) .

وذهب على هـذا المنوال المضل إلى أن قال: (كل من قضى حياته، كما قضيت، في دراسة القرون الوسطى الأسبانية، يعرف الخيانة الثلاثية التي أتت بالإسلام إلى أسبانيا: خيانة أبناء بيزيتا، الذين أتوا بالمسلمين المغاربة ليرثوا عرش أبيهم، وخيانة أتباعهم في معركة وادي اللت ، الذين تحولوا إلى صفوف الأعداء، وخيانة طارق الذي أعلن في طليطلة ارتداده عن الأمير الذي أتى لخدمته عند عبوره لمضيق جبل طارق ، إلى الخليفة في دمشق ) . وبعد هـجومه على المسلمين الأندلسيين، أنهى البرنص مقاله بقوله: (لا للإسلام.. ولا حق للمسلمين الأندلسيين بالتكلم عن الحرية السياسية.. لأن جميع الجماعات الإسلامية المعاصرة تجهل هـذه الحرية اليوم) .

وفي 18/5/1982م، نشر البرنص مقالا آخر في نفس الجريدة تحت عنوان (في حرم الخليفة) [2]

كـ (إنذار للأندلسيات المعاصرات لكي لا يعتنقن العقيدة الإسلامية الغابرة وعاداتها) . قال البرنص في أول المقال: إنه أتى ببعض القصص من كتاب (المقتبس) لابن حيان القرطبي (لكي أقدمها للنساء الأندلسيات اللاتي ينجذبن إلى الإسلام، واللاتي استهزأت إحداهن، وهي صيدلية من قرطبة ، بتقدم سني) . وأتى باتهامات مغلوطة عن عبد الرحمن الناصر ، ومعاملته لنسائه، ومنها قصة إعدامه لجارية استاءت من مغازلته لها. [ ص: 121 ]

ثم أنهى المقال قائلا: (يا صديقاتي الأندلسيات اللاتي يحن إلى أسبانيا الإسلامية ، يمكنني أن أقص عليكن قصصا لا تقل سوء حول حياة النساء تحت حكم خلفاء، وملوك الأندلس المسلمين، ألجمن حنانكن واشكرن الغزاة النصارى ، الذين رفعوا كرامتكن، وحرروكن من الحالة البائدة والظالمة، التي كانت تعيشها نساء الأندلس المسلمات".

وفي 8/1982م، نشر جواكيم إيبارس سلسلة من المقالات الحاقدة في جريدة (لا بانكارديا) البرشلونية [3] ، تحت عنوان "القرآن ستار للوصول إلى أهداف غير واضحة"، تدل عناوينها الثانوية على حقد على الإسلام وأهله: "أسلمة الأندلس حلم خيالي"، و "المستشرقون ضد الحملة"، و "الإسلام يود الرجوع إلى مسجد قرطبة"، و "الأحمدية فرقة مضطهدة"، و "الطريقة الصوفية: طرق في غسل الدماغ"، و "البيازين ملجأ الإسلام الأسود". ولم يتورع الكاتب في الدخول في حياة عدة مسلمين أندلسيين ومسلمات، كعلياء سولي ، من أهل " ترامب " بقطلونية ، والمقيمة بقرطبة مع زوجها أحمد الجنيد هـرنيرو ، وعبد الرحمن روانو هـينوخوزا ، ومصطفى شيكا ، ومحمد دل بوسو ، وفرنسينة بوش ، وزوجها أنخيل فوسمليانو ، وغيرهم.

فرد عبد الرحمن مدينة على كلاوديو سانشس البرنص ردا مقنعا، كان له الأثر الطيب، كما رد عليه غيره من زعماء المسلمين الأندلسيين. ثم نشر مدينة سلسلة من المقالات في الصحافة الأسبانية، يدافع فيها عن الإسلام والشخصية الأندلسية، ويربط بينهما، كالمقال الذي كتبه حول موقف السلطة الأسبانية الحاكمة من الأندلس، إذ قال في افتتاحيته [4] : "كانت الأندلس دائما ضحية الأشكال المحددة التي يطلقها عليها الاحتكار القيادي، الثقافي والسياسي من مجريط ، خاصة فيما يخص منبع الحضارة الأكثر ضياء التي عرفتها أوروبا: الثقافة [ ص: 122 ] الإسلامية الأندلسية". ثم أنهى مقاله بقوله: "نحن الأندلسيين لم يعد ينظر إلينا كمجموعة بشرية لها شخصيتها الخاصة، ولكن كمجموعة مندمجة في كتلة بشرية متشابهة، لا شخصية لها، وذلك منذ أن صاح "الله أكبر" آخر مؤذن أندلسي من أعلى منارته، منذ ذلك الحين قطر الندى من فوق الياسمين كالدموع المنهمرة من الجفون".

وفي يناير سنة 1983م، وصل عدد "الجماعة الإسلامية في الأندلس" إلى 60 مسلم، من بينهم 15 طفلا، فضاق مركز "الجماعة" بها، فانتقلت إلى مركز جديد أكبر من الأول بشارع لبيس. ومن جهة أخرى، ساءت علاقتها مع "جماعة إشبيلية الإسلامية"، وقد هـيأ الله في 23/1/1983م الاتفاق التالي: "بسم الله الرحمن الرحيم، نحن ممثلوا الجمعيتين، نتعهد أمام الله على احترام المبادئ الإسلامية، التي تطلب التعاون والتآخي بينهما، وعلى توحيد مجهودهما للدعوة إلى القرآن الكريم والسنة المشرفة، والعمل على صلاة الجمعة مجتمعين. نطلب من الله أن يضيء شؤوننا، ويلهمنا الطريق السوي. آمين. عن "الجماعة الإسلامية في الأندلس" عبد الرحمن مدينة، ويحيى ريس، وهلال أبو جمل، وعن "جماعة إشبيلية الإسلامية" عبد الهادي سانز، ومحمد أحمد، وعثمان برسابي، والشاهدان محمد الحلو وعلى الكتاني. في إشبيلية 23/1/1983م. واستعدت "الجماعة الإسلامية في الأندلس" لانطلاقة جديدة. [ ص: 123 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية