محاولات تنظيمية أخرى في الأندلس
قامت في الأندلس محاولات إسلامية تنظيمية أخرى، منها ما ظل محدودا، ومنها ما كانت حياته قصيرة، ومنها ما بقي حبرا على ورق، ومنها ما انضم إلى تنظيمات أخرى، وكل هـذه التنظيمات محلية لا تخرج عن مدينة من مدن الأندلس.
وقد تفرعت كل التنظيمات الإسلامية الموجودة اليوم في مدينة غرناطة عن ( جمعية عودة الإسلام إلى أسبانيا ) ، وقد أسسها أفراد أو جماعات خرجوا من الجمعية الأم، لذلك فهذه الجمعيات لا تختلف في تنظيمها عن الجمعية التي تفرعت عنها.
أول هـذه الجمعيات هـي ( الجماعة الإسلامية في أسبانيا-مسجد التقوى ) ، وهي التي يعمل فيها المعلمان الموريتانيان، وقد انضم لها أكثر من خمسين عضوا، فتحوا أعمالهم في منطقة غرناطة القديمة بين نهر هـدره ، ومنحدر حي البيازين . ويقع مركز الجماعة في مكان مستأجر يستعمل مركزا إسلاميا. وتقوم الجمعية بمجهود جيد في نشر المعرفة الإسلامية بين أفرادها، لكن نشاطها محدود في غرناطة.
الجمعية الثانية هـي ( جماعة الأندلس المسلمة ) ، وهي أول جمعية أسست في غرناطة بعد (جمعية عودة الإسلام إلى أسبانيا) ، أسسها عدد من الذين أخرجوا من الجمعية السابقة. وفي 28 رمضان عام 1401هـ موافق 31/7/1981م. تكون مجلسها التنفيذي الأول من السادة عمر عبد الحق كوكا دومنكز (الرئيس) (أصله من إشبيلية ) ، عبد الكريم محي الدين كراسكوساستر (نائب الرئيس) ، زهراء كونتريراس كانو (أمينة سر) ، عبد النور كوكا دومنكز (أمين الصندوق) ، محمد خان (عضو) عائشة دياس برمودس (عضوة) ، محمد مبين مدينة رودريكز (عضو) . وجاء في إعلان تأسيس هـذه الجمعية ما يلي: [ ص: 103 ]
(إن تأسيس جمعية جماعة الأندلس المسلمة بغرناطة كمركز لها، من طرف رجال ونساء اعتنقوا الإسلام في السنين الأخيرة، كان لتغطية فراغ ناتج عن إلغاء جمعية عودة الإسلام إلى أسبانيا ، وتحويلها إلى طريقة صوفية درقاوية . هـذا التغير من جمعية للجميع إلى طريقة، التي هـي بطبيعتها للأقلية المختارة، أدى إلى جعل المسلمين الذين ليسوا أعضاء في الطريقة، والذين هـم بطبيعة الحال جزءا لا يتجزأ من الأمة الإسلامية، غير منظمين، وبدون مركز، يجتمعون فيه لتأدية شعائرهم الدينية. تود جماعة المسلمين هـذه، في غرناطة، التعبير عن احترامها المستحق لأي طريق يختاره المسلم في إطار الشريعة الغراء، لعبادة اله تعالى، حسب تعاليم القرآن الكريم، وسنة نبينا محمد، وتسعد لانتشار الدين الإسلام الحنيف، وتقوية جذوره في قلوب سكان هـذا الوطن) .
ثم فتحت الجمعية مركزا لها في شقة بشارع كاستنيدا ، ثم انتقلت إلى شقة أكبر بشارع شنيل بوسط غرناطة، بها مكاتب، وبيت لسكن الإمام، ومصلي. وانضم إليها عدة عشرات من مسلمي غرناطة، وحاولت الجمعية أن تنوع نشاطها خارج غرناطة، وكانت لها مشاريع حول تأسيس مزرعة للمسلمين في جبال رندة ، لكن لم تتمكن من إنجازها بسبب ضعف إمكانياتها المالية.
وفي مايو عام 1983م انضمت هـذه الجمعية إلى ( جماعة الإسلام في الأندلس ) التي مركزها إشبيلية ، ثم انفصلت في أواخر سنة 1984م عنها، كما سنرى، وأصبح هـارون كراكويل روميرو أحد رؤسائها، وهي الآن جمعية صغيرة من بين جمعيات غرناطة الإسلامية، ذات نشاط محدود.
والجمعية الثالثة هـي ( جماعة غرناطة الإسلامية ) ، المسجلة رسميا بوزارة العدل كجمعية دينية. أسست هـذه الجمعية سنة 1984م من طرف بعض المسلمين الذين كانوا أعضاء في (جماعة الأندلس المسلمة) ، ممن انضموا إلى المذهب الإثنى عشري، فانفصلوا عن الجمعية المذكورة، عند انضمامها إلى ( الجماعة الإسلامية في الأندلس ) ، وكانوا جمعية ذات اتجاه شيعي، على عكس الجمعيات الأخرى، التي تتبع جميعها المذهب السني. وكان محمد مبين مدينة رودريكز أول رئيس للجمعية. ويوجد مقرها في شارع نويبا دي لابرخن [ ص: 104 ] بغرناطة ، ولا يزيد عدد أعضائها على العشرة بكثير، ونشاطها محدود.
والجمعية الرابعة هـي ( مسجد البيضاء ) ، التي أسست في ساحة البيضاء من غرناطة، وإمامها ورئيسها هـو أحمد عبد الله فوتمديانو ، وهو كذلك من قدماء أعضاء ( جمعية عودة الإسلام إلى أسبانيا ) ، وللجمعية بضعة عشرات من الأعضاء، ولا يتعدى نشاطها غرناطة.
أما الدكتور منصور عبد السلام اسكوديرو ، الذي كان أميرا لـ (جمعية عودة الإسلام إلى أسبانيا) ، فبعد طرده من الجمعية المذكورة، انتقل إلى مطريل على شاطئ البحر، بمقاطعة غرناطة مع جماعة من الأطباء المسلمين، وأسس معهم مركز الطب المتكامل، فتكونت بذلك مجموعة إسلامية في مطريل دون تنظيم أو نشاط آخر سوى مجال الطب.
وأول من فكر في تكوين جماعة إسلامية خارج مقاطعة غرناطة، هـو رجل من جيان متقدم في العمر، سبق له أن عمل في الجيش الأسباني، اسمه الإسلامي: مولاي محمد بن علي الأندلسي ، واسمه النصراني: أميليو أكوثر أنايا. يقول: إنه من سلالة أمراء المسلمين، وكان يعلن في السبعينيات الميلادية أنه خليفة المسلمين في الأندلس . لم يكن له أتباع، بل كان من أوائل من تجرأ على إعلان إسلامه من بين الأسبان، وحاول نشره بطريقته، لم يكن له مقر، وكان يتجول عبر أسبانيا كلها.
وفي يناير عام 1983م أسست ( جماعة المرية الإسلامية ) في المرية ، من طرف بلال كيلس ميزا ، أندلسي، من أصل إشبيلي، أسلم في بلجيكا سنة 1975م، وسجلت في وزارة العدل . لكن هـذه الجمعية بقيت إلى اليوم حبرا على ورق، إذ ليس فيها إلا بلال وحده، الذي انتقل هـو نفسه من المرية. وكل مسلمي المرية الأندلسيين هـم اليوم أعضاء ( الجماعة الإسلامية في الأندلس ) .
وفي منتصف سنة 1982م أسس عبد السميع أريانا ( جماعة مالقة الإسلامية ) . وهو مسلم مالقي، كان من أعضاء (جمعية عودة الإسلام إلى أسبانيا) ، وهو كاتب وباحث في الشئون الأندلسية، أسلم في أواخر السبعينيات، بعد تعمق في دراسة تاريخ الأندلس، وتعرف على سيدي أحمد الحجي ، من علماء جامعة القرويين بفاس ، ومكث في بيته زهاء العام يتعلم أمور [ ص: 105 ] دينه. وفي سنة 1984م اشترت الجمعية بناية من ثلاثة طوابق بشارع سان أغوستين وسط مدينة مالقة ، وحولتها إلى مركز إسلامي به مكتب، ومسجد، وبيت للإمام، وحصلت على إمام مغربي بتمويل من دار الإفتاء بالمملكة لعربية السعودية. ولا يزيد أعضاء الجمعية الأسبان على العشرة بكثير، وقد كاثرهم الوافدون من المغرب . ويقوم المركز بنشاط يحمد عليه، في تعليم مبادئ الدين الإسلامي لأعضائه. وفي سنة 1986م أصبح عبد السميع أريانا موظفا في القنصلية السعودية في مالقة ، وسلم المركز لجمعية (المركز الإسلامي في أسبانيا) ، فأصبح أحد فروعها.
وبمقاطعة مالقة، تجمع إسلامي آخر، في بلدة ( سان بدرو دي القنطرة ) ، غرب مدينة مربلة ، تكون سنة 1983م تحت اسم ( الطريقة الإسلامية ) ، من طرف خالد عبد الكريم ، وهو عمدة سابق لبلدة مودة بمقاطعة مالقة، كان عضوا في ( جمعية عودة الإسلام إلى أسبانيا ) . أعضاء الجمعية قليلون لا يزيدون على العشرة، ولهم مركز خاص بهم، ولا يتعدى نشاطهم بلدتهم.
انضم إلى (جمعية عودة الإسلام إلى أسبانيا) ، عند مرورها بإشبيلية سنة 1979م-1980م، عدد من الأسبان، وعندما انتقلت الجماعة إلى غرناطة سنة 1980م رفض عدد منهم الانتقال من إشبيلية، فطردهم الشيخ عبد القادر الصوفي من جماعته، فأسسوا جمعية خاصة بهم في 6 / 12/1981م، هـي ( جماعة إشبيلية الإسلامية ) ، وكانت لجنتها التنفيذية الأولى تتكون من عبد الهادي سانز كمينو (رئيس) ، وعبد المغني غارسيا أرتاشو (أمين سر) ، ومحمد أحمد علي الشرقي (أمين صندوق) ، وهو من سبتة، وعثمان برسابي غونزالس (عضو) ، وعمر ألابونت تورمس (عضو) . وسجلت الجمعية رسميا كجمعية دينية في وزارة العدل بتاريخ 13/5/1982م، وكان أعضاؤها عشرون حينذاك تقريبا.
وكان مركز الجماعة عند تأسيسها، في شقة بشارع كوندي دي توريخون ، قرب ساحة أوروبا ، في حي فقير، من أحياء إشبيلية. وفي أواخر سنة 1982م انتقلت الجمعية إلى مقر أفضل في حي لائق بشارع آمور دي ديوس (محبة الله) ، وهو عبارة عن بيت قديم من طابقين، به [ ص: 106 ] مسجد ومدرسة ومكاتب للجمعية. ثم بعد الانشقاق الذي أدى إلى ولادة ( الجماعة الإسلامية في الأندلس ) -كما سنرى-، انتقلت الجمعية إلى مركز أصغر بشارع ميسون دل مورو (فندق المسلم) ، وظل نشاط ( جماعة إشبيلية الإسلامية ) ، محدودا في مركزها الإسلامي، ولم يتزايد عدد أعضائها منذ نشأتها.
وتوجد طريقة صوفية إنجليزية في بلدة أركش ، بمقاطعة قادس ، بها أسبان وإنجليز، مسلمون وغير مسلمون، ولا تعد هـذه الجماعة نفسها مسلمة، بكل ما في الكلمة من معنى، ولا تتعامل مع الجماعات الإسلامية الأخرى.
وفي 10/2/1982م زار روجي جارودي قرطبة ، قبل إسلامه بصفته مدير (المركز الدولي لحوار الحضارات) ، واستقبله عمدتها خوليو أنغيتا . فتحدث جارودي عن قرطبة كمركز للحوار الحضاري، وعن إمكانية تأسيس جامعة إسلامية بها، ثم استدعت (الجماعة الإسلامية في الأندلس) روجي جارودي لـ (المؤتمر الإسلامي الأول للمسلمين الأوروبيين) ، الذي عقد بإشبيلية في 19-22/7/1985م. فحضره وانتخب رئيسا له [1]
ثم تابع مفاوضاته مع بلدية قرطبة للحصول على ( القلعة الحرة ) ، التي كانت عرضتها على ( جمعية قرطبة الإسلامية ) ، فوافقت البلدية على تلسيمها له، لاستعمالها متحفا ثقافيا.
وقد ساعده في إنشاء المتحف عبد الرحمن مدينة موليرة ، أحد زعماء (الجماعة الإسلامية في الأندلس) ، وأول مدير للمتحف. وافتتح المتحف في أوائل مارس عام 1987م، بحضور عدة شخصيات إسلامية وغير إسلامية، من المشرق والمغرب، في مؤتمر لحوار الديانات والحضارات. ولم يكن المتحف إسلاميا، وإن كانت فيه بعد الظواهر الإسلامية، كمجسم لمسجد قرطبة الجامع ، ولقصر الحمراء ، صنعهما المسلمان الأندلسيان يوسف بغراس رولدان ، وزوجته مريم . ومول المشروع كله بأموال من المملكة العربية السعودية وأقطار الخليج الأخرى. والمتحف ليس مركزا إسلاميا، ويديره منذ أوائل سنة 1988م رجل نصراني. وليس للمفكر الفرنسي المسلم روجي جارودي نشاط في الجالية الإسلامية في الأندلس . [ ص: 107 ]
ذكرت في هـذا الباب، حوالي عشر جمعيات إسلامية أسسها في أوائل الثمانينيات، الراجعون إلى الإسلام في مدن الأندلس المختلفة.. فما هـي سلبياتها وإيجابياتها؟
من السلبيات: تعدد التنظيمات، الذي يدل على تشتت الكلمة وعدم التنسيق، وربما التصادم، وهذا لا يليق بحركة ناهضة، يعلق عليها المسلمون الآمال الكبيرة. ولكن لهذا التعدد فائدة، وهي أنه بعد فشل التجارب المذكورة آنفا (تنظيم الوافدين المسلمين، وتنظيم الشيخ عبد القادر الصوفي، وتنظيم جمعية قرطبة الإسلامية) في استقطاب جميع الراجعين إلى الإسلام، أصبح من المفيد أن يتقدم كل من له أفكار جديدة بأفكاره، وينظم الجماعة التي تتجمع حولها، حتى يظهر مع الوقت الناجح من الفاشل منها. وفعلا قامت هـذه الجمعيات بمجهود مشكور، كل واحدة على طريقتها، بالدعوة إلى الإسلام بين الأندلسيين وغيرهم من الأسبان. فمعظم من اعتنق الإسلام ظل مسلما، حتى لو غير انتماءه من جمعية إلى أخرى، أو غيرت الجمعية اسمها، أو خرج من كل الجمعيات وبقي بمفرده. لذا أصبح في آخر الثمانينيات عدد الراجعين إلى الإسلام بالأندلس، يعد حوالي 4.000 مسلم سنة 1990م.
وقد اتبعت كل جمعية من الجميعات المذكورة أعلاه، مصيرا مختلفا. فمنها من ولد ميتا ( جماعة المرية الإسلامية ) ، ومنها من انضم لغيره ( جماعة مالقة الإسلامية ) ، ومنها ما انبثقت عنه جماعة أخرى، أصبحت من أكبر جماعات الأندلس، والأمل في قيادة المسيرة الإسلامية بها ( جماعة إشبيلية الإسلامية ) كما سنرى فيما يلي. [ ص: 108 ]